The Out Campaign


محرك البحث اللاديني المواقع و المدونات
تصنيفات مواضيع "مع اللادينيين و الملحدين العرب"    (تحديث: تحميل كافة المقالات PDF جزء1  جزء2)
الإسلام   المسيحية   اليهودية   لادينية عامة   علمية   الإلحاد   فيديوات   استفتاءات   المزيد..
اصول الاسلام  تأريخ القرآن ولغته  (أخطاء علمية / ردود على مزاعم الإعجاز في القرآن والسنة)  لاعقلانية الإسلام  العدالة والأخلاق  المزيد..
عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان

04‏/11‏/2010

الأنبياء والأوصياء السابقون لمحمد في التراث الشيعي

الكاتب: ابن المقفع
المصدر: منتدى الملحدين العرب

يقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتيبه الشهير "عقائد الإمامية,": "" والوصي هو الإمام المعصوم, يوصي به النبي أو الإمام السابق له, والإمام عند الشيعة شخصية لا تكاد تقل مرتبتها عن مرتبة الأنبياء, ولا يفضِل النبي على الوصي إلا بطبيعة الوحي الذي ينزل عليه. وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مروض الطاعة, منصوب من الله تعالى, سواء أبى البشر ام لم يأبوا, وسواء نصروه أم لم ينصروه , أطاعوه أم لم يطيعوه, وسواء كان حاضرا أم غائبا عن أعين الناس.
تنبع عقيدة تواصل سلسلة الإمامة والنبوة أصلا دينيا شيعيا هو الإمامة, والذي يختص به المذهب الشيعي الإمامي. تقابل هذا الأصل الشيعي العقيدة السنية التي تقول بأن الإمامة وخلافة النبي أمرٌ متروكٌ للمسلمين, فيختارون من بينهم من يكون كفوا للخلافة. وعقيدة الشيعة تستند حسب ادعائهم على آيات قرانية ك"ولكل قوم هاد" و"وان من امة الا خلا فيها نذير"

يعتقد الشيعة أن الإرشاد الإلهي لم يغادر الأرض, ولا يجب أن يغادرها, بعد وفاة النبي فاستمر في شخص الأئمة من بعده: علي والحسن والحسين وعلي زين العابدين, والباقر, والصادق, والكاظم, والرضا, والجواد, والهادي, والعسكري, وهي شخصيات عاصرت العصر الراشدي والأموي وشطرا من العصر العباسي. وآخر الأئمة هو المهدي الذي يعتقد الشيعة أنه حي إلى هذا اليوم ولكن في حالة من الغيبة , أن أنه لا يمكن إدراك وجوده باستخدام حواسنا.

عقيدة الإمامة قديمة عند الشيعة الإثناعشرية , لذلك تشاركهم فيها الفرق الشيعية الأخرى. إلا أن هذه العقيدة قد أوقعت الشيعة في معضلة هي إيجاد سلسلة غير منقطعة من الأولياء والأوصياء منذ خلق آدم وحتى تسلم النبي محمد النبوة. فبالرغم من أن المسلمين متفقين على أن الأنبياء منتشرون على مدى الزمان, إلا أن هذا لا يعني عدم وجود فترات زمانية تنعدم فيها النبوة

لذلك وُجدت روايات شيعية تتحدث عن الأئمة في الأزمنة بين خلق آدم ومبعث محمد. ولكن, بما أن المصدر الأساسي للروايات الإسلامية عن الأنبياء السابقين هي مصادر يهودية ومسيحية أساسا, وبما أن هذه المصادر نفسها لا تشير إلى سلسلة غير منقطعة من الأنبياء أو المُلهمين, لذلك اضطرت الروايات الشيعية إلى إقحام أسماء لشخصيات مختلقة بكل وضوح, وتنصيب شخصيات تاريخيةٍ يهوديةٍ مناصبَ دينية غير مناسبة لحجمها. كما أن هذه الروايات لا تخلو من التناقض والمعضلات المنطقية والتاريخية

إن أشهر رواية تخص موضوع الوصاية غير المنقطعة بين آدم ومحمد هي هذه الرواية التي رواها ابن بابويه القمي أحد كبار العلماء الشيعة من القرن الخامس الهجري في كتاب "من لا يحضره الفقيه" الذي يُعتبر أحد كتب الحديث الأربعة الكبرى عند الشيعة

من لا يحضره الفقيه 5402: روى الحسن بن محبوب عن مقاتل عن أبي عبد الله (ع): قال قال رسول الله ص: أنا سيد النبيين ووصيي سيد الوصيين وأوصيائه سادة الأوصياء. إن آدم سأل الله عز وجل أن يجعل له وصيا صالحا فأوحى الله عز وجل إليه إني أكرمت الأنبياء بالنبوة ثم اخترت من خلقي خلقا وجعلت خيارهم الأوصياء فأوحى الله تعالى ذكره إليه يا آدم أوص إلى شيث فأوصى آدم إلى شيت وهو هبة الله بن آدم وأوصى شيت إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله عز وجل على آدم من الجنة فزوّجها ابنه شيت وأوصى شبان إلى محلث وأوصى محلث إلى محوق وأوصى محوق إلى غمثيشا وأوصى غمثيشا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (ع) وأوصى إدريس إلى ناحور ودفعها ناحور إلى نوح وأوصى نوح إلى سام وأوصى سام إلى عثامر وأوصى عثامر إلى برغيثاشا وأوصى برغيثاشا إلى يافث وأوصى يافث إلى برة وأوصى برة إلى جفسية وأوصى جفسية إلى عمران وأوصى عمران إلى إبراهيم الخليل ع وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل وأوصى إسماعيل إلى إسحق وأوصى إسحق إلى يعقوب وأوصى يعقوب إلى يوسف وأوصى يوسف إلى بَثرِياء وأوصى بثرياء إلى شعيب وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران ع وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى داود وأوصى داود إلى سليمان ع وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم وأوصى عيسى ابن مريم إلى شمعون بن حمّون الصفا وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر وأوصى منذر إلى سُلَيمة وأوصى سليمة إل بردة ثم قال رسول الله ص ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تُدفع إلى خير أهل الأرض بعدك ولتفرقن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافا شديدا الثابتُ عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار والنار مثوى الكافرين.

يروي الحديث نفسه العلامة المجلسي في كتاب "بحار الأنوار" وهو من كتب الحديث المهمة أيضا . وقد تناول الحديث علماء الشيعة في كتبهم كصاحب كتاب "كمال الدين"

إلا أن النص أعلاه يحتوي أسماء مختلقة بوضوح. عندما كان المسلمون يتداولون أسماء وردت في كتب اليهود والمسيحيين, وأسماء الأنبياء في القرآن, وكان الكثير منها غريب اللفظ, لابد أنهم اعتبروا هذه الأسماء لغزا من الألغاز, لجهل المسلمين باللغات الأجنبية. لم يدرك هؤلاء أن لمعظم هذه الأسماء معان بالعبرية أو بالآرامية أو بلغة أخرى, فاعتقدوا أن بأن بإمكانهم اختلاق أسماء وهمية عندما يعجزون عن إيجاد ما يطلبونه في الإسرائيليات والروايات التي نقلها أصحاب الديانات القديمة إلى المسلمين, أو أنهم يختلقونها حتى بدون أن يكلفوا أنفسهم عناء التقصي في هذه الروايات.

إن أسماء: شبان ومحلث ومحوق وغمثيشا وعثامر وبرغيثاشا وبرة وجفسية وبثرياء أسماء لا وجود لها في كتب اليهود والمسيحيين ولا أصل لها لا في اللغة , بل أن حرف الغين في غمثيشا وبرغيثاشا لا وجود في لغات أصحاب الديانات القديمة كالعبرية والآرامية ولا حتى في الأكادية. كما أنني لاحظت تخبطا في تناول هذه الأسماء بين علماء الشيعة, فيكتب ابن بابويه القمي "جفيسة" ويكتب المجلسي (الذي نقل عنه كما يبدو) "جفسية." أما في كتاب كفاية الأثر فقد ورد غمثيشا بصيغة عثمثا ومحلث بصيغة مخلب وعثامر بصيغة عثام وجفسية بصيغة خفسية وبثرياء يصيغة برثيا. لا توجد أي رواية في كتب الشيعية تكشف لنا عن شيء من سيرة هذه الشخصيات, ولا وجود لأسمائهم إلا في هذه الرواية, وليت أحدا من علماء اللغة يكشف لنا معاني أسمائهم أو من علماء التاريخ يكشف لنا قصتهم, ام هو "تصفيط حچي= ترتيب أسماء"؟

ثم لنتناول الرواية ممن ناحية مطابقتها للرواية "التاريخية" (أو التقليدية) التي يخبرها لنا الكتاب المقدس اليهودي-المسيحي, أو حتى كتب التاريخ الإسلامية التي تناولت تاريخ العالم وبني إسرائيل, علما أن سبب الرجوع إلى الرواية التوراتية ليس إيمانا بصحتها, بل لاعتبارها مرجعا للتراث الإسلامي أصلا من وجهة نظرمحايدة.

1-إن التوراة, وبعض الروايات الإسلامية, تذكر سلسلة مختلفة من الآباء بين آدم وإبراهيم, فلا محلث ولا محوق ولا غمثيشا ولا غيرهم. فالرواية التوراتية تذكر سجل نسب ابراهيم كالتالي (ابتدائا من جده ادم): ادم, شيث, أنوش, قينان, مهلئيل, يارد, أخنوخ, متوشالح, لامك, نوح, سام, أرفكشاد, شالح, عابر, فالج, رعو, سروج, ناحور, تارح, ابراهيم. وهذه الرواية تكررها الروايات الإسلامية كسيرة ابن هشام, كما أن الرواية التوراتية تذكر أن الروح النبوية انتقلت عبر هذه السلسلة بالذات من آدم إلى سام وهذا ما تردده المصادر الإسلامية السنية, إذا فهو أمرٌ يكاد أن يكون مُجمعا عليه.

إن أحد الروايات المذكورة في بحار الأنوار تذكر كثيرا من هذه الأسماء التوراتية, مما لا يترك مجالا للادعاء بأن تحريف التوراة وتلفيق الروايات السنية هو السبب في التعارض. فقد جاء في بحار الأنوار

(بحار الأنوار ج 11 ص34) عن علي بن عاصم الكوفي: دخلت على أبي محمد العسكري عليه السلام فقال لي يا علي أنظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين والأئمة الراشدين....هذا أثر قدم آدم وموضع جلوسه وهذا أثر هابيل .. شيث .. نوح.. . قيدار ... مهلائيل. .. يارة .. خنوخ .. . إدريس..... متوشلح .... سام .. أرفخشذ ... هود .... صالح ... لقمان ... إبراهيم .. لوط .... إسماعيل ... إلياس ... إسحاق ... يعقوب ... يوسف ... شعيب .... موسى ..... يوشع بن نون ........ طالوت ....... داود .... سليمان ...الخضر ... دانيال ... اليسع ..ذي القرنين الإسكندر ...شابور بن أردشير ....لؤي ..:كلاب ...قصي ...عدنان ...عبد مناف ...عبد المطلب ...عبد الله ...النبي محمد.

هذه الرواية تذكر 11 اسما داخلا في سلسلة النسب التوراتية ما بين آدم وإبراهيم أعلاه, وتصف حاملي هذه الأسماء بالأنبياء والأوصياء, فهي تكاد أن تتفق مع النص التوراتي. فمن أين أتت الرواية الأولى المشهورة التي رواها القمي والتي تحمل كل هذه الأسماء الغريبة؟

2- ليس سجل النسب هو المشكلة الوحيدة. لقد اتفق اليهود والمسيحيون والمسلمون على تسلسل ولادة الشخصيات الأسطورية والتاريخية التوراتية والتي ذُكرت لاحقا في الروايات الإسلامية على مختلف درجاتها. لقد اتفقوا على أن سام هو أخو يافث, بينما يبدو في رواية القمي كما لو أن يافثا من نسل سام أو أنه قد ورث الإمامة عن حفيده. كذلك تتفق الروايات على أن إبراهيم من نسل سام , إلا أنه يبدو في الرواية كما لو أنه قد ورث الإمامة عن يافث. نعرف من الروايات الإسلامية أن لدينا اثنان من الشخصيات المشهورة باسم "عمران" هما أبو موسى وهارون وأبو مريم أم عيسى وكلاهما من ذرية إبراهيم, فمن هو عمران الذي أوصى بالإمامة إلى إبراهيم؟ إن كان يافث وعمران هذين ليسا الشخصيتين التوراتيتين المعروفتين, فمن هما؟ وما قصتهما, ومن هو بثرياء الذي أوصى له يوسف والذي أوصى بدوره لشعيب؟ هل هو تحريف لاسم "يثرو" حمو موسى في التوراة الذي يناظر شعيب عادة؟ ولم انتقلت الإمامة عن بني إسرائيل بعد وفاة يوسف وقبل تنبؤ موسى؟ وكيف يكون النبي والإمام في مدين بين الكفار والمؤمنون اللذين فضلهم الله على العالمين في مصر.

نلاحظ أيضا أن الوصاية قد انتقلت من موسى إلى يوشع بن نون (يشوع في التوراة) وهذا يناظر ما تذكره الأسفار المقدسة اليهودية من أن موسى قد ترك أمر قيادة بني إسرائيل ليشوع قبل وفاته (سفر العدد 27: 18-23).

روايات شيعية أخرى تذكر أمر هذه الوصاية. الكافي ج 1 ص 293: عن إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمر عن جعفر الصادق: أوصى موسى إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسى.

الكافي من كتب الحديث المعتبرة عن الشيعة, إلا أن رواية القمي التي ذكرناها سابقا تذكر بأن يوشع قد أوصى إلى داود, وداود من نسل يهوذا وليس لاويّا كموسى وهارون. كما أن الأسفار اليهودية تخبرنا بأنه مابين يوشع وداود ثلاثمائة سنة, فهل غاب يوشع هو الآخر؟

وهذه رواية أخرى: وفي الصراط المستقيم ج 2 ص41: عن الشيخ محمد بن بابويه القمي : ...سأل (موسى) الله أن يجعل له أخاه هارون وزيرا ففعل فتوفي قبله فأوصى إلى ابن أخيه يوشع لأن أولاد هارون كانوا صغارا ثم استخلف يوشع كوكب بن لفتى وتوالوا ذلك بينهم إلى أن بعث الله تعالى عيسى.

لاحظ أن هذه الرواية تجعل وصي يوشع شخصا اسمع كوكب بن لفتى.

كل هذه الروايات تتقاطع مع الرواية اليهودية, التي توافق على أن موسى قد أوصى يوشع (يشوع) بقيادة الأمة الإسرائيلية, إلا أنها تتعارض مع الأحاديث التي تروي عن محمد قوله"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي"... إذ أن هارون قد توفي قبل موسى, كما أن موسى لم يوصي له. فهل تنفع هذه الروايات في الدلالة على وصاية محمدٍ لعلي؟


3- في المرحلة التي تبدأ فيها أسرة داود بالحكم في أورشليم يبدأ الكتاب المقدس اليهودي باتخاذ درجة لا بأس بها من الدقة التاريخية فيُصبح بإمكاننا, بمساعدة من بعض المكتشفات الآثارية, وضع شخصيات محددة في فترات محددة من التاريخ, لقد جُعِل انتقال الإمامة بين سليمان (حوالي 1000ق.م وزكريا أبي يحيى,( حوالي 1 ب.م) لا يمر إلا بإمام واحد هو آصف بن برخيا وهو شخصية تُغدق عليها الأساطير الإسلامية الكثير من القدرات العجيبة, فهم يعتقدون أنه وزير سليمان (انظر فهرست ابن النديم) وأنه من أشار إليه القرآن باسم "من عنده علم الكتاب" والذي جلب عرش ملكة سبأ إلى قصر سليمان بلمح البصر, كما أنه مضرب المثل في من العلم والحكمة عند مسلمي القرون الماضية, فيُقال "فلانُ آصف زمانه" أي أنه فاق معاصريه في العلم.

وآصف بن برخيا (آساف بن بركيا في الكتاب المقدس اليهودي) هذا وحده يستحق بحثا منفصلا, فهو لم يرد في الكتاب المقدس اليهودي إلا باعتباره أحد المغنين الذين كان داود, وربما سليمان من بعده, يستخدمهم لأداء الطقوس الدينية في خيمة الاجتماع ثم في الهيكل. أما في التقاليد اليهودية المتأخرة يظهر آصف باعتباره حكيما من الحكماء وطبيبا مؤلفا لكتاب لا يزال موجودا يحمل اسم "سفر آساف", ويعتبر الكتاب "المنسوب إليه" أول ما أًلف بالعبرية من كتب الطب, ويرجح أنه يعود إلى القرن التاسع الميلادي. وتضع مقدمة الكتاب شبه التاريخية آساف في عصر يمتد بين فترتي حياة هيبوقراط وييوسقريدس الطبيبين, وتجعله أسطورةٌ أخرى معلما لسقراط. و تتبنى الأساطير اليهودية المتأخرة فكرة أنه كان وزيرا لسليمان فيذكر لويس جنزبرك في كتابه "أساطير اليهود" وفي سياق حديثه عن سليمان:

"ولتنفيذ أوامره (سليمان) كان تحت تصرفه من بين البشر آساف بن بركيا, ومن بين الشياطين راميرات, ومن بين الوحوش الأسد, ومن بين الطيور النسر."

لكي ما يكون آصف الإمام الأوسط بين سليمان وزكريا لا بد من أن يكون قد عاش حوالي الألف سنة. هذا ما تؤيده رواية شيعية أخرى, إلا أنها تذكر أنه كان لآصف غيبة كغيبة المهدي إمام عصرنا (أنظر الرواية أدناه).

إن انتقال النبوة والإمامة من سليمان إلى زكريا عبر آصف بن برخيا يستلزم عدم إفساح المجال أمام أنبياء و أئمة عاشوا في تلك الفترة لهم ذكرٌ في التراث الإسلامي على قلتهم (كإلياس وإليسع ويونس) والذين عاشوا بين عصر سليمان وعصر زكريا. تجاوز حديث آخر رواها صاحب بحار الأنوار هذه الرواية فحشر الحديث شخصيات أخرى عاشت بعد آصف وقبل زكريا

بحار الأنوار باب 19 ج13 ص447: (عن إكمال الدين) عن القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن الصادق عن آبائه: فلما حضرته (سليمان) الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بإذن الله تعالى ذكره فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم ثم غيب الله عز وجل آصف غيبة طال أمدها ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله ثم أنه ودعهم فقالوا أين الملتقى قال على الصراط وغاب عنهم ما شاء الله واشتدتا البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بختنصر ....وبنو إسرائيل في العذاب المبين والحجة دانيال أسير .......أمر (بختنصر) بأن يُخرج....فلم يلبث إلا القليل....حتى مضى إلى سبيله وأفضى الأمر من بعده إلى عزير...فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى...حتى ولد يحيى بن زكريا.

لاحظ أن هذه الرواية تختلف عن سابقتها بنسبها الإمامة إلى دانيال وعزير, وادعاء وجود أكثر من حجة (أو إمام) بين سليمان وزكريا


4- ننتقل إلى فترة بداية المسيحية فتذكر الرواية التي ذكرها القمي, والتي قلنا أنها الأشهر, أن زكريا قد أوصى إلى عيسى بن مريم وأن عيسى قد أوصى إلى شمعون الصفا وأن شمعون قد أوصى إلى يحيى بن زكريا

تقول الرواية " وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا ودفعها زكريا إلى عيسى بن مريم وأوصى عيسى ابن مريم إلى شمعون بن حمّون الصفا وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا وأوصى يحيى بن زكريا"

وأيضا

بحار الأنوار ج: 35, ص: 55: عن أبي عبد الله ع: قال النبي (محمد) يا هام (أحد الجن) من وجدتم موصي آدم قال شيت بن آدم قال قمن وجدتم وصي نوح قال ذاك سام بن نوح قال فمن وجدتم وصي هود قال ذاك ياسر بن هود قال فمن وجدتم وصي إبراهيم قال ذاك إسحق بن إبراهيم قال فمن وجدتم وصي موسى قال ذاك يوشع بن نون قال فمن وجدتم وصي عيسى قال شمعون بن حمون الصفا ابن عم مريم.

ولكننا نعلم بأن زكريا هو أبو يحيى فلم أوصى لعيسى قريبه البعيد ولم يوص لابنه؟ كما أن القرآن يعلمنا بـأن حبل ام يحيى بابنها لم يتأخر عن حبل مريم بابنها, فلم لم يصبح يحيى حجة لله إلا بعد مرور جيلِ على رفع عيسى؟ أضف إلى ذلك كله أن الكتاب المقدس المسيحي يخبرنا بأن يحيى (يوحنا) قد قُتل على يد هيرودس أنتيپاس عندما كان عيسى لا يزال حيا. المؤرخ اليهودي المعاصر فلافيوس يوسفوس يؤكد مقتل يوحنا بنفس الطريقة. وتذكر الموسوعة البريطانية تحت باب يوحنا المعمدان أن مقتل يوحنا (يحيى في القرآن) لا يجب أن يكون قد حدث قبل عام 35 ميلادية.

شمعون الصفا هو اسم ظهر تحت تأثيرٍ سرياني لبطرس أحد حواريي عيسى, فشمعون هي سمعان, اسم بطرس الأصلي, وصفا يعني صخرة بالسريانية, كما أن بطرس تعني صخرة باليونانية. وفي العراق لا تزال هنالك كنائس أقيمت على شرف بطرس, أو لضم ذخائره, تحمل اسم شمعون الصفا.

تذكر الموسوعة البريطانية تحت باب بطرس الرسول (شمعون الصفا) أنه قد قُتل في روما في حوالي العام 64 ب.م اعتمادا على المصادر المسيحية, التي ليس له ذكرٌ إلا فيها. إلا أن هذا يتنافى مع نص الرواية الشيعية أعلاه, إذ أنها ذكرت ن شمعون الصفا قد أوصى ليحيى بن زكريا, بينما المعروف, اعتمادا على المصادر المتوافرة, هو أن شمعون الصفا قد قُتل بعد مقتل يحيى بثلاثين عاما.

ليست رواية القمي هذه الوحيدة التي تذكر وصاية عيسى لشمعون ووصاية شمعون ليحيى (بهذا التسلسل الخاطيء -يسوع- بطرس – يوحنا المعمدان) بل هنالك رواية أخرى

بحار الأنوار ج 14 ص515 (إكمال الدين) عن أبي وابن الوليد معا عن سعد عن ابن عيسى عن ابن معروف عن ابن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن محمد بن إسماعيل القرشي عمن حدثه عن إسماعيل عن أبي رافع عن أبيه قال قال رسول الله: إن جبرائيل نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك..وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرسل...بعث الله عيسى ابن مريم...أوحى إليه أن يستودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا..... وبعث ...يحيى بن زكريا فمضى شمعون...قتلت اليهود يحيى بن زكريا ....أوحى (الله) إليه أن يجعل الوصية في ولد شمعون ..وعندما ملك سابور ..ثلاثين سنة حتى قتله الله...وعلم الله...في ذرية يعقوب بن شمعون...وعند ذلك ملك.

ولشمعون هذا مكانة لدى الشيعة, ولدى أهل السنة أحيانا, فتذكر رواية شيعية أن صفة علي بن أبي طالب مذكورة في كتاب شمعون.

ج 38 ص 48لشمعون الصفا كتاب: إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن عباس: أنه أتي براهب قرقيسياء إلى أمير المؤمنين ع فلما رآه قال مرحبا ببحيراء الأصغر أين كتاب شمعون الصفا ....فأخرج الكتاب...ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم (ثم تذكر الرواية أن صفة علي ذُكرت في الكتاب)

الحقيقة هي أن المسيحيين لا يحتفظون إلا برسالتين يدعون أنها لبطرس (صياد سمك), فلا وجود لكتاب حقيقي, كما أنني أستبعد أن يكون صياد الأسماك قد ألف كتابا , أو حتى رسائل, باليونانية.

كما يدعي الشيعة أن الجارية الرومية, التي يدعون أنها أنجبت للحسن العسكري محمدا المهدي آخر أئمتهم, الذي من المُفترض أنه قائم حي غائب عن الحواس إلى حد هذا اليوم, تنتسب من جهة أمها إلى شمعون (بطرس).

بحار الأنوار ج 51 ص6 (عن الغيبة للطوسي): قالت (مليكة لرسول الحسن العسكري) أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمي من ولد الحواريين تنتسب إلى وصي المسيح شمعون.

هذا على الرغم من أني لم أسمع أحدا من "الروم" أو المسيحيين يدعي بأنه من نسل بطرس أو أي من الرسل الذين لا تذكر المصادر المسيحية شيئا عن أنهم متزوجون .

ولقد تداركت رواية أخرى الأمر فجعلت يحيى سابقا مباشرا لعيسى كما هو شائع بين المسيحيين وعامة المسلمين

بحار الأنوار باب 19 ج13 ص447: (عن إكمال الدين) عن القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن الصادق عن آبائه:....... حتى ولد يحيى بن زكريا...فقام في الناس خطيبا..ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول فلما ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيب شخصه....فلما ظهر اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل..حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله به واستتر شمعون بن حمون والشيعة....


5- نصل الآن إلى المرحلة التي يجب أن تنتقل فيها الوصاية إلى محمد ثم إلى أوصيائه المعروفين. بالضرورة, سيكون هذا العصر في فترة التارخ الجلي, لكثرة المؤرخين من وثنيين ومسيحيين, كما أن هذا العصر هو العصر الذي ظهرت فيه المسيحية فلنرى ما تقوله رواية القمي

" وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر وأوصى منذر إلى سُلَيمة وأوصى سليمة إل بردة ثم قال رسول الله ص ودفعها إلي بردة وأنا أدفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيك ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تُدفع إلى خير أهل الأرض بعدك ولتفرقن بك الأمة ولتختلفن عليك اختلافا شديدا الثابتُ عليك كالمقيم معي والشاذ عنك في النار والنار مثوى الكافرين."

حسنُ, لقد قضيت فترة طويلة أبحث عن الشخصيات الثلاث : منذر, سُليمة وبردة, فلم أجد أي معلومة عنهم. إن من العجيب أن لا يخبرنا محمد عمن تسلّم منه الخلافة في الأرض وإمامة الناس. ما أتفه هذا الإمام الذي لا تذكر رواية تداولتها الكتب شيئا عنه سوى اسمه

إن ما بين عصر عيسى وشمعون ويحيى وبين "مبعث" محمد ستمائة عام, فأين كان فيهن هؤلاء الأئمة. هنالك رواية تقول

كمال الدين: ج 1 ص 161: عن معاوية بن عمال قال قال أبو عبد الله ع: بقي الناس بعد عيسى بن مريم ع خمسين ومائتي سنة بلا حجة ظاهرة

بالرغم من مخالفة هذه الرواية لسابقتها, إذا أن روايات أخرى تقول بأن عيسى أوصى لشمعون, إلا أننا نقول :"لا حرج إذا على المسيحيين أن عبدوا نبيهم" فإمام زمانهم غائب.

لقد كدت أن أستشف من الروايات أن بردة الذي أوصى لمحمد هو نفسه سلمان الفارسي, إلا أنني لم أجد ما يؤيد ذلك. كما أن رواياتٍ أخرى حاولت أن تجعل من آباء محمد أئمة, كما في هذه الراية التي ذكرتها أعلاه:

(بحار الأنوار ج 11 ص34) عن علي بن عاصم الكوفي: دخلت على أبي محمد العسكري عليه السلام فقال لي يا علي أنظر إلى ما تحت قدميك فإنك على بساط قد جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين والأئمة الراشدين....هذا أثر قدم آدم وموضع جلوسه وهذا أثر هابيل ..شيث ..نوح.. .قيدار ...مهلائيل. ..يارة .. خنوخ.. .إدريس.....متوشلح....سام..أرفخشذ...هود....صالح...لقمان...إبراهيم..لوط....إسماعيل...إلياس...إسحاق...يعقوب...يوسف...شعيب....موسى.....يوشع بن نون........طالوت......داود....سليمان...الخضر...دانيال...اليسع..ذي القرنين الإسكندر...شابور بن أردشير....لؤي..:كلاب...قصي...عدنان...عبد مناف...عبد المطلب...عبد الله...النبي محمد

نلاحظ أن هذا الحديث للحسن العسكري , وهو الإمام قبل الأخير, فلعله فطن إلى سُخف رواية جده, فسرد أسماء آباء محمد واعتقد بأن بأن هذا أفضل من نسب الإمامة لمجاهيل, كما أن الشيعة يعتقدون بأن آباء الأئمة وأمهاتهم, وربما أسلافهم كلهم, مؤمنون. ولكن, ...

هل عُرف الإيمان عن أسلاف محمدٍ إلى زمنِ عدنان فعلا. إن كانوا مؤمنين, بل أئمة, فما منعهم من دعوة عشيرتهم وأقاربهم إلى الإسلام أو الحنفية, وإن كان قصي حنيفا مسلما بما باله سمى أولاده عبد مناف ( ومناف صنم لقريش ذكره الكلبي في كتابه الأصنام ) وعبد الداروعبد العزى, وإن كان عبد مناف مسلما حنيفا مسلما فما باله سمى ابنه عبد شمس, وإن كان عبد المطلب حنيفا مسلما فما باله سمى ابنه عبد العزى (وهو أبو لهب), بل من علّم قريشا الوثنية والشرك إن لم ينقطع فيها جيلٌ مسلمٌ حنيفٌ موحدٌ, ولكل فردٍ من أفرادها سلفٌ مسلم حنيف موحد.

لاحظت في حديث الحسن العسكري ذكرا لإسكندر ذي القرنين وشابور بن أردشير, فإن غضضت النظر عن إيراد اسم الاسكندر (وعليه ما عليه في التاريخ من تجبر ووثنية إضافة لمثليته) لاقترانه بذي القرنين المذكور في القرآن, فإني أعجب لورود اسم شابور بن أردشير. فما فعل هذا المجوسي حتى يورد اسمه بين الأئمة والأنبياء؟


الاستنتاجات

أعتقد بأن ضعف الروايات المتعلقة بأئمة عصر ما قبل الإسلام دليلٌ على تأخر عقيدة الإمامة لدى الشيعة (أي وجوب وجود إمامٍ معيّن من عند الله في كل عصر لا يكون فيه نبي) ومن المعلوم أن الشيعة الزيدية الذين انفصلووا عن التيار الشيعي الرئيسي لا يؤمنون بالإمامة كما يؤمن بها بقية فروع الشيعة. أخال أن الإمامة فكرة ظهرت مع جعفر الصادق, إلا أن أنها لم تصبح من أسس المذهب الشيعي إلا بالتدريج, وأرى أن أئمة الشيعة أو واضعي الروايات من بعدهم قد انشغلوا عن التفكير في تسلسل الأئمة والأنبياء قبل الإسلام بانشغالهم في تحديد سلسلة الأئمة بعد الإسلام, وهو الأمر الذي كان الشيعة ولا يزالون منشغلون به.

المصادر

1-الكافي . للكليني (من كتب الحديث الأربعة عند الشيعة)
2-من لا يحضره الفقيه. لابن بابويه القمي (من كتب الحديث الأربعة عند الشيعة)
3-بحار الأنوار. للمجلسي (من كتب الحديث الأربعة عند الشيعة)
4-كتاب كمال الدين
5-عقائد الإمامية. للشيخ محمد رضا المظفر
6-الكتاب المقدس
7-دائرة المعارف اليهودية
8-أساطير اليهود. لويس جنزبرگ
9-دائرة المعارف البريطانية
10-السيرة النبوية. لابن هشام
11-الأصنام. للكلبي.

مواضيع ذات علاقة
دراسة نقدية للإمامة عند الشيعة الإثني عشرية

2 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

ملاحظة: المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها