The Out Campaign


محرك البحث اللاديني المواقع و المدونات
تصنيفات مواضيع "مع اللادينيين و الملحدين العرب"    (تحديث: تحميل كافة المقالات PDF جزء1  جزء2)
الإسلام   المسيحية   اليهودية   لادينية عامة   علمية   الإلحاد   فيديوات   استفتاءات   المزيد..
اصول الاسلام  تأريخ القرآن ولغته  (أخطاء علمية / ردود على مزاعم الإعجاز في القرآن والسنة)  لاعقلانية الإسلام  العدالة والأخلاق  المزيد..
عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان

16‏/09‏/2010

مقدمة عن القرآن، لنولدكه

ترجمة: إبن المقفع
المصدر: منتدى الملحدين العرب

القرآن: مقتبسات من التاريخ الشرقي (عام 1892)

مقدمة لثيودور نولدِكه

إن القرآن هو أساس الإسلام. إنه الكتاب المقدس لأكثر من مائة مليون مسلم, ينتمي بعضهم لأمم ذات حضارات غارقة في القدم, يعتبر من قبلهم كلهم كلمة الله المباشرة. وبما أن استخدام القران في طقوس العبادة الجماعية, في المدارس وأشباهها, هو أكثر انتشارا من قراءة الكتاب المقدس في معظم الدول المسيحية على سبيل المثال, لذلك فقد وصف بحق الكتاب الأكثر قراءة في الوجود. إن هذا الظرف وحده كفيل بان يعطيه الحق بأن يطلب انتباهنا, بالإضافة إلى ذلك, فإنه عمل محمد, وبهذا يكون ملائما لأن يقدم مفتاحا للتطور الروحاني لأنجح الأنبياء والشخصيات الدينية هذا. يجب إدراك أن أول تصفحٍ يترك على الأوربي انطباعا بالارتباك والعشوائية, هذا لا يعني أن الكتاب ضخم للغاية, فهو لا يزيد حجما عن العهد الجديد. يمكن تغيير هذا الانطباع فقط من خلال تطبيق التحليل النقدي بمساعدة من الروايات الإسلامية.

بالنسبة لعقيدة المسلمين, يعتبر القرآن, كما قلنا سابقا, كلمة الله, وهو الشيء الذي يدعيه الكتاب لنفسه أيضا. ففي ما عدا سورة الفاتحة التي هي دعاءٌ للبشر, وبعض الفقرات التي يتحدث فيها محمدٌ (الأنعام: 104, 114 والنمل: 91 والشورى: 10)أو الملائكة (مريم: 64 والصافات: 164 ومايليها من الآيات) بأسلوب المتكلّمِ بدون تدخل من صيغة الأمر "قل" (سواء كانت مفردة أو جمعا), فإن المتكلم عبر النص هو الله, إما في صيغة المتكلم المفرد , أو بصيغة جمع الجلالة الأثر شيوعا "نحن." إن نفس نوعيه المخاطبة نعرفها من كتابات الأنبياء في العهد القديم, فتختفي الشخصية الإنسانية وراء الله الذي امتلأت به في لحظة إلهامٍ. إلا أن جميع الأنبياء العبرانيين العظماء سرعان ما يهوون ثانية إلى ضمير "أنا" الإنساني المتواضع, بينما "أنا" في القرآن هي صيغة المخاطبة الثابتة. إلا أن محمدا شعر حقيقةً بأنه أداة بيد الله. كان هذا الشعور , بلا شكٍ, أقوى في بداية ظهوره عما أصبح بعد ذلك, إلا أن هذا الشعور لم يغادره البتة. لذلك فقد نعذره على اعتبارٍ, لا نتاج الإثارة الخيالية والعاطفية فقط, بل والعديد من التبيانات أو الأحكام التي كانت نتاج حسابات دقيقة كذلك, كلام الله, لو أنه فقط تحلى بالميول الأخلاقية الصرفة والتي تملأنا, في أعمال أشعيا وإرميا, بالإعجاب بعد مرور عصور وعصور.


إن السبب وراء الوحي يتم تفسيره في القرآن نفسه بما يلي: إن النص الأصلي موجود في السماء ("أم الكتاب" (الزخرف: 3), "كتاب مكنون"(الحديد: 78), "لوحِ محفوظ" (البروج: 22)). من خلال عملية تسمى بالتنزيل تم نقل قطعة بعد قطعة من القرآن للنبي. كان الوسيط ملاكا, يُسمى أحيانا بالروح (الشعراء: 193), وأحيانا بالروح القدس (النحل: 102), وفي وقتٍ لاحق سُمي جبريل (البقرة: 97).أملى الملاك الوحي للنبي الذي يردده بعده, ومن ثم يُعلنه للعالم (الأعلى: 6 ومابعدها). من الواضح أن ما أمامنا هنا هي محاولة ساذجة من قبل النبي لتقديم العملية اللاواعية, إلى درجة ما, لنفسه, تلك العملية التي من خلالها تظهر أفكاره وتتشكل تدريجيا في عقله. لا عجب ألا تكون التفاصيل متماسكة دائما إن هي تشكلت في مثل هذه المخيلة المشوشة. فعلى سبيل المثال, عندما يُقال بأن هذه النسخة القديمة السماوية هي في أيدي سفرة (عبس: 13 وما بعدها), فإن هذا يبدو كما لو أنه انتقاله إلى مجموعة مختلفة من الأفكار هي كتب القدر, أو سجلات الأعمال الإنسانية, وهي مفاهيم موجودة بالفعل في القرآن. من المُلاحَظِ دوما أن فكرة محمد تنزيه عن الله, أي أنه فوق مستوى العالم بكل كيانه, تمنع تفكيره في حدوث احتكاك مباشر بين النبي والله.

إحدى عبارات القرآن الجليّة هي أن الكتاب المقدس (القرآن) قد أٌنزِل من عند الله, لا كله في آن واحد, بل بالتدريج (الفرقان: 32). يتضح هذا من طريقة تأليف الكتاب نفسها, وهذا كذلك أمرٌٌ أكدته الروايات الإسلامية. إن هذا معناه أن محمدا قد أصدر ما أوحي له في صحف ذات أحجامٍ أكبر أو أصغر. كانت القطعة الواحدة من هذا النوع تُسمّى قرآنا, أي "قراءة" أو بالأحرى "تلاوة," أو كتابا, أي "كتابة," أو سورة, والتي هي نفسها الكلمة العبرانية المتأخرة شورة, والتي تعني حرفيا "سلسلة." أصبحت المفردة الأخيرة, في حياة محمدٍ, الصفة المعتادة للأجزاء المنفردة لتمييزها عن المجموعة الكاملة, وهكذا أصبحت الاسم الذي يُعطى للفصول المتفرقة للقرآن الحالي. هذه الفصول ذات طولٍ غير متساوٍ. بما أن العديد من قصار السور كاملة بذاتها بلا شكٍ, فمن الطبيعي أن نفترض بأن تلك الأطول, والتي تكون قابلة للاستيعاب تماما في بعض الأحيان, قد نشأت من دمج آيات متنوعة ومختلفة في الأصل. يدعم هذا الافتراض تقاليد عديدة تعطينا الظروف التي أوحيت بسببها هذه القطعة الصغيرة أو تلك, والتي تدخل الآن ضمن جزءٍ أكبر. يدعم هذا الافتراض أيضا حقيقة أن ترابط الأفكار في السور الحالية يبدو مشوشا, فحتى في قصار السور نجد أجزاء لا يُمكن أن تكون في موضعها هذا في البدء. في نفس الوقت علينا أن نحذر من المبالغة في عملية الغربلة, كما أعتقد أنني قد فعلت في أعمالي المبكّرة, وكما يبدو أن سبرنگر قد فعله أحيانا في كتابه العظيم عن محمد. بإمكاننا أن نرى بأن بعض السور كانت ذات طول لا بأس به منذ البداية من نماذج كسورة يوسف, والتي تحتوي مقدمة قصيرة, ثم تاريخ يوسف, ومن ثم ملاحظات استنتاجية معدودة, ولذلك فهي متناسقة تماما. بنفس الأسلوب , تشكل سورة طه ,والتي يشغل قسمها الأكبر تاريخُ موسى, وحدة متكاملة. نفس الشيء يمكن أن يقال عن سورة الكهف, والتي قد تبدو مجزأة إلى قطع عديدة لمن يطلع عليها لأول مرة, فتاريخ النوّام السبعة, والرواية العجيبة عن موسى, وتلك التي عن إسكندر ذي القرنين, كلها مترابطة سوية والقافية هي نفسها من بداية السورة إلى نهايتها. حتى في القصص المنفصلة يمكننا أن نلاحظ كيف أن القرآن ينتقل من موضوع إلى آخر بسلاسة, وكيف أن الانتقال من فكرة لأخرى لا تخصص له كثير من العناية, وكيف أن كثيرا ما تمحى الجمل المفيدة, التي تٌكاد أن تكون لا غنى عنها. لذلك فليس بمقدورنا, في كل حالة يكون فيها الترابط في القرآن غامضا, أن نقول بأنه متقطّعٌ فعلا, وندعي أن هذا نتاج ترقيع أخرق ليدٍ متأخرة في الزمن. حتى في الشعر العربي القديم, نجد أن مثل هذه الانتقالات المفاجأة متكررة جدا. ليس من غير المعتاد في القرآن بعد أن يتم إدخال موضوعٍ جديد أن تتم العودة تدريجيا أو فجأة إلى الفكرة العامة السابقة, وهو دليل على أنه لم يكن هنالك نية على أي فصل. بالمختصر, مهما كان وضع القرآن بصيغته الحالية غير كاملٍ, فإن السور الحالية بمعظمها مطابقة للأصل

إن الكيفية التي ظهرت بها هذه الآيات في عقل محمد هي مسألة تكاد أن تكون درجة عبثية مناقشتها مساوية لعبثية محاولة تحليل طريقة عمل عقل شاعرٍ. خلال سنوات حياته الأولى كنبي, وربما في المراحل المتأخرة أيضا في أحيان, لا بد أن بعض الآيات قد انطلقت من على لسانه في لحظات إثارة لا قدرة له على السيطرة عليها, فلم يكن بإمكانه أن يعتبرها إلا إلهاما إلهيا. علينا أن نتذكر أنه لم يكن مفكرا نظاميا ملتزما, بل رائيا من الشرق الأوسط, نشأ في وسط ملئه التخاريف المستحكمة, وبدون تمرس في الثقافة, رجلٌ نال من مزاجهِ العصبي بقوةٍ التنسكُ الشاذُ, و كان يزداد ألما بالمعارضة التي تلقاها,لأن البطولة لم تكن من طبيعته. ممتلئا بأفكاره الدينية ورؤاه, ربما تخيل فعلا أنه سمع الملاك يأمره بأن يتلو ما قد قاله له. ربما كانت هنالك آيات عديدة لم يسمعها أحد إلا هو , وهو يرددها بينه وبين نفسه في سكون الليل (المزمل: 4). في الحقيقة يعترف القرآن نفسه بأنه قد نسي بعض ما أوحي إليه (الأعلى: 6و7). إلا أن الجزء الأعظم من القرآن هو بلا شكٍ نتيجة لتفكّر وتدبّر, ممزوجا بمسحة قد تزيد أو تقل من العاطفة, ومُحَفّزٌ بوهجِ بلاغي بدلا من أن يكون شعريا. إن العديد من الفقرات مستندةٌ إلى تأمل فكري. يُقال أن محمدٌ كان ينطق بهذه الفقرات أحيانا بعد إحدى نوبات الصرع هذه والتي اعتبرَها, لا أتباعه فحسب, بل (على الأقل لفترة) هو نفسه إشاراتٍ على احتكاك بقوى علوية. إن كانت هذه هي الحال, فمن الصعب القول إن كانت الحيلة تكمن في النطق بالآيات أم في النوبة نفسها.

إن الكيفية التي تم بها اتخاذ القرآن صيغته المكتوبة أمرٌ غير مؤكد. إن محمدا نفسه, على حد ما أمكننا اكتشافه, لم يدوّن أي شيء. إن مسألة إن كان بإمكانه أن يقرأ ويكتب قد خضعت للكثير من الجدل في أوساط المسلمين, وعادة ما يكون الجدل قائما على أطروحات عقائدية وتراث زائف بدلا من أن يقوم على أدلة أصيلة للأسف. إلا أنه ,من جهة ميله لممارستها, وجد أنه من الملائم تكليف شخص آخر متى ما كان لديه أي شيء يريد كتابته. بعد الهجرة إلى المدينة (622 ب.م) يُقال لنا أن قطعا قصيرة – بالأخص قرارات شرعية – كانت تدون بعد أن تنزل مباشرة, من قِبَل تابعٍ كان يُجتمَع به لهذا الغرض. لذلك لم يكن هنالك حائلٌ أمام نشرها. لذلك من الممكن أنه بدأ في مكة, حيث كانت الكتابة أكثر شيوعا فيها من المدينة باعتبار الأولى مدينة تجارية والثانية مدينة زراعية, بتدوين رؤاه. إن وجود أجزاء أطول من ذلك من القرآن مدونةً وتعود إلى فترة أقدم هو أمرٌ من المأمون لنا أن نستشفه عن طريق دلائل مختلفة, بالأخص من حقيقة أن النبي قد أمر في مكة بحشر أجزاء ومحو أجزاء من آياته السابقة. فلا يمكننا أن نفترض أنه كان يحفظ السور الأكثر طولا عن ظهر قلب بشكل تامٍ حتى يكون متمكنا من أن يضع يده على أي فقرة محددة بعد مرور وقت. في بعض الحالات ربما اعتمد بالفعل على ذاكرته بشدة. على سبيل المثال, يبدو أنه أحيانا كان يُملي السورة نفسها لأشخاص مختلفين بأشكالٍ مختلفة قليلا. في تلك الحالات ربما نوى جزئيا أن يُدخل تحسينات, وما دام الاختلاف مجرد اختلاف في التعبير ولا يؤثر في المعنى, فلم يكن يؤدي إلى إحداث حيرة لدى أتباعه. لم يكن لأحد منهم تحذلق أدبي ليشكك في تماسك الآيات الإلهية على هذا الأساس. إلا أنه, وفي حالات معينة, كان الاختلاف في القراءة مهما لدرجة لا يمكن التغاضي عنها. لذلك يعترف القرآن نفسه أن الكفار يلمزون النبي فيضعون المسألة بصيغةِ أن الله قد بدّل آية مكان آية (النحل: 101). في أحدى المناسبات, عندما نشأ خلاف بين اثنان من أتباعه حول القراءة الصيحة لفقرة ما كان كلا التابعَين قد تسلّماها عن النبي نفسه, يُقال أن محمدا قد أوضح أن القرآن قد نزل على سبعة صيغ. في هذه الرواية التي قد تكون حقيقية, تعني سبعة بالطبع, كحالات كثيرة أخرى, عددا غير محددٍ ولكن محدود. إلا أن للمرء أن يتخيل كم من العناء اضطر فقهاء المسلمين أن يتحملوه في محاولتهم تفسير الحديث طبقا لمعتقداتهم الثابتة. إن هنالك بالفعل عدد كبير من التفسيرات, بعضها ينتسب إلى مرجعية النبي نفسه بما أن أحاديث محمد المختلقة تلعب بالفعل دورا لافتا للانتباه في تفسير القرآن. تقول إحدى التفسيرات المفضلة, ولكن من غير السهل إثباتها, هو أن "الصيغ السبعة" تعني لهجاتٍ مختلفة.

عندما أدرك محمد هذه التباينات, كانت رغبته بلا شكٍ أن يعتبر نصٌ واحدٌ فقط من بين النصوص المتعارضة نصا أصيلا, إلا أنه لم يُقدم على تحمل عناء تحقيق رغبته مطلقا. فبالرغم من أنه, نظريا, كان مؤمنا بحرفية الإلهام, إلا أنه لم يدفع بعقيدته هذه إلى أقصى نتائجها, فنباهته العملية لم تأخذ هذه الأمور حرفيا أخذ فقهاء القرون التالية لها. إلا أنه أحيانا كان يحجب قطعا كاملة أو آياتٍ, حاثّا أتباعه على محوها أو نسيانها, ومعلنا أنها قد ن"نُُسخت." إحدى الحالات الأكثر إثارة للاهتمام هي حالة الآيتين من سورة النجم, واللتان اعترف فيهما أن ثلاث إلهات وثنيات هن كائنات علوية, لهن تأثير على الله. لقد فعل هذا في لحظة ضعف, حتى يكسب مواطنيه إلى جانبه من خلال تقديم تنازل مع إبقاء منزلة عالية لله. ولقد نال غرضه بالفعل, إلا أنه ندم لاحقا, وأعلن أن الكلام المذكور كان من وحي إبليس.

إن كان هذا هو الأمر بالنسبة للقراءات المنسوخة, فإن الحالة تختلف عندما نجيء إلى حالات نسخ الشرائع والأحكام الموجهة إلى المسلمين, والتي كثيرا ما تظهر في القرآن. لا يوجد في هذا الأمر ما يتعارض مع فكرة محمدٍ عن الله. فالله بالنسبة له حاكمٌ مطلق , فهو يعلن أن أمرا ما أمرٌ صحيحٌ أو خاطئ لا من حاجة متأصلة , بل بمشيئة عبثية منه. هذا الإله ينوع أوامره حسب رغبته, فيصف شرعة للمسيحيين وأخرى لليهود وثالثة للمسلمين, بل أنه يغير تعليمات للمسلمين ساعة يشاء. لذلك, على سبيل المثال, يحتوي القرآن على توجيهات مختلفة جدا, يلاءم كلٌ منها ظرفا مختلفا, بالنسبة لمعاملة التي يجب أن يتلقاها الوثنيون على يد المؤمنين. إلا أن محمدا لم يبال كثيرا بإتلاف هذه الشِرَع المُستبدلة. لا يمكن أن يكون المؤمنون في موضع شكٍ حول أيٍ من الفقرتين المتعارضتين لا تزال فعالة, وربما يستمرون في إيجاد تهذيبٍ للنفوس في تلك التي أصبحت ملغاة. لم يخطر ببال محمدٍ أن الأجيال اللاحقة قد لا تتمكن من تمييز "المنسوخ" من "الناسخ" بسهولة, فرؤيته, بالطبع, قلما توسعت لتفكر في مستقبل مجتمعه الديني. كانت الأحداث الجارية تُذكر دائما في الآيات. نال إعجاب المؤمنين ملاحظة عدد المرات التي أعطاهم الله فيها إجابة على مسألة كان البت فيها مطلوبا بإلحاح في تلك اللحظة. تظهر السذاجة نفسها في ملاحظة الخليفة عثمان حول إحدى المُعضلات: "لو أن رسول الله كان حيا, لنزل قرآنٌ في هذه المسألة." كثيرا ما كان يلاحَظ بأن الكلام الإلهي يتفق مع النصيحة التي قد تلقاها محمدٌ من أتباعه الأشد قُربا." تقول إحدى الروايات المتواترة: "كان لعمر في كثير من الأحيان رأي ما,فينزل القرآن وفقا لرأيه."

إن محتويات الأجزاء المختلفة من القرآن متنوعة للغاية. تتألف العديد من الفقرات من تأملاتٍ دينية أو أخلاقية. يتم تذكيرنا بعظمة الله وخيره وصلاحه كما يتجلى ذلك في الطبيعة وفي التاريخ وفي ما نزل على الأنبياء من الوحي, وبالأخص ما نزل عبر محمد. يتم تعظيم الله على الواحد المقتدر. تُشجب الوثنية بغزارة ومعها جميع أشكال تأليه المخلوقات كعبادة المسيح باعتباره ابنا لله. توصف مسرات الجنة وعذابات الجحيم بأوصاف خيالية حسّية تنبض بالحياة, وكذلك الرعب الذي يستولي على الخليقة عندما يجيء اليوم الآخر وحساب العالم. يتلق المؤمنون تعليما أخلاقيا عاما, بالإضافة إلى توجيهات تتعلق بظروف معينة. يتم توبيخ المتوانين, وتهديد الأعداء بعذاب أليم في الدنيا وفي الآخرة. يتم شرح حقيقة الإسلام للمتشكك, وتسود طريقة معينة ولكن غير قوية الحجة لتبيان ذلك. في العديد من الفقرات يتخذ الكتاب المقدس عند المسلمين أسلوبا وعظيا مسهبا, تبدو فقراتُ أخرى أشبه بإعلانات أو أوامر عامة. عدد كبير من الفقرات يحتوي تشريعات شعائرية أو قانونية, أو حتى أوامر خاصة موجهة إلى أشخاص, مسائل قد تنحط بمستواها إلى درجة تنظيم أمور حريم محمد. في فقرات ليست بالقليلة, تتم الإجابة على أسئلة كانت قد طُرحت على النبي حقيقة من قبل المؤمنين أو من قبل الكفار. يتلقى محمد نفسه بتكرارٍ أوامرَ مباشرةٍ, ولا ينجو من توبيخ في بعض الأحيان. إحدى السور (الفاتحة) هي عبارة عن دعاء, واثنتان (الفلق والناس) هما عبارة عن تعويذتين سحريتين. تتناول العديد من السور موضوعا واحدا, بينما تحتضن سورٌ أخرى مواضيع عدة.

من ضمن كم المواد التي تُشكل القرآن, وما ذكرناه بعيد عن أن يكون مستوفيا, علينا أن نختار سير الأنبياء القدامى والأولياء لكونها تحتوي على أهمية غريبة. كان غرض محمد من هذه السير إظهار كيف أن الله قد كافأ الصالحين وعاقب أعدائهم في الأزمنة الخالية. في معظم الأحيان تكون وضيفة الأنبياء القدماء إدخال تنويع بسيط في الصيغة, لأنهم في كل حالة تقريبا نسخة طبق الأصل عن محمد نفسه. إنهم يعظون بنفس طريقته, وعليهم أن يوجهوا نفس التهم لخصومهم, والذين بدورهم يتصرفون كالكفار من أهل مكة بالضبط. إن القرآن يذهب بعيدا لدرجة أن يجعل نوحا يحتج على عبادة آلهة كاذبة معينة, مذكورة بالاسم, كان يعبدها العرب في زمن محمد. في خطاب وُضع على لسان إبراهيم (الشعراء:69 ومايليها), ينسى القارئ تماما أن من يتكلم هو إبراهيم, وليس محمد (أو الله نفسه). يكون الغرض من قصص أخرى الإمتاع على الأغلب, بالرغم من أنها دائما ما تُحَلّى بالعبارات التحريرية. لا عجب أن اعتقد القرشيون الكفار أن قصص القرآن هذه ليست أكثر إمتاعا من تلك التي لرستم وإسفنديار والتي كان يرويها رواها النضر بن الحارث, والذي, لكونه كان يترحّل متاجرا, قد تعلم عند الفرات أساطير الفرس البطولية. إلا أن النبي قد بلغ منه الحنق على منافسه لدرجة أنه أمر بإعدام النضر عندما وقع في يده بعد معركة بدر بالرغم من أنه عفى عن أهل بلده في جميع الحالات الأخرى مباشرة.

تدور هذه القصص حول شخصيات من الكتاب المقدس بشكلٍ رئيسي, وخصوصا تلك التي من العهد القديم. إلا أن الاختلاف عن الروايات الكتابية واضح جدا. إن العديد من التحويرات موجود في الحكايات الخرافية للهاجادة اليهودية وأبوكريفا العهد الجديد, إلا أن ما هو أكثر عددا من لك من التحويرات يعود إلى إساءة فهم لا يقع فيها إلا مستمعٌ (لا قارئ لكتابٍ). فحتى أكثر اليهود جهلا لن يخطئ باعتقاده أن هامان (وزير أحشويرش) هو وزيرٌ لفرعون, أو يعتقد أن مريم أخت موسى وهارون هي نفسها مريم أم المسيح. بالإضافة إلى مثل هذه الأشكال من إساءة الفهم, هنالك تحويراتٍ متعددة, وبعضها فظ للغاية , ترجع إلى نزوةٍ من محمدٍ نفسه, فهو, على سبيل المثال, يجعل أساس خصوبة مصر , حيث لا يكاد يُرى مطرٌ ولا يُفتقد, تعتمد على المطر بدلا من اعتمادها على فيضان النيل, لجهله بكل ما خارج الجزيرة العربية (يوسف: 49). تعكس قصة "ذي القرنين" (أي الإسكندر الأكبر (الكهف: 83 ومايليها)), كما اكتُشِف مؤخرا, قصة سخيفة نوعا ما, كتبها سرياني في بداية القرن السادس, ولنا أن نعتقد بأن محتواها قد رُوِي للنبي على يد أحد المسيحيين. بالإضافة إلى التواريخ اليهودية والمسيحية, كان هنالك قصص قليلة العدد عن أنبياء من شبه جزيرة العرب. يبدو لنا فيها أنه قد تصرّف بما تحت يده من مواد بشكل أكثر تحررا من غيرها من القصص.

لقد تمت الإشارة إلى الرأي الذي يقول بأن محمدا لم يستخدم مصادر مكتوبة. يمكن دوما تفسير التناظرات والتباينات على حد سواء بحدوث تواصل مع يهودٍ كانوا يعرفون القليل ومسيحيين كانوا لا يكادون يعرفون شيئا. حتى في الفقرات النادرة التي بإمكاننا أن نجد فيها تشابها مباشرا مع نص من نصوص العهد القديم ( قارن (الأنبياء: 105مع المزمور37: 29 والفاتحة: 5 مع المزمور27: 11) أو العهد الجديد (قارن الأعراف: 48 مع لوقا16: 24, والأحقاف: 19 مع لوقا16: 25), ليس هنالك ما لا يمكن أن يكون قد التُقِط خلال حوار مع أي يهوديٍ أو مسيحي. في المدينة, حيث نال فرصة التعرف على يهودٍ مثقفين نوعا ما, تعلم محمدٌ بعض الأشياء من المشناة فسورة المائدة: 32 تقابلُ كلمةً بكلمةٍ مشناة سنهدرين4: 5, قارن أيضا سورة البقرة: 183 مع مشناة بريشيت1: 2). سيعترف أي شخصٍ له أدنى إلمام بالظروف المحيطة بأن هذه مجرّد حالات من التواصل الشفهي. وإلا ربما اعترفنا بأن محمدا قد درس التلمود, فعلى سبيل المثال التعليم المتعلق بالتيمم من خلال الفرك بالرمل, حينما لا يمكن الحصول على الماء (النساء:43 , يقابل سُنّة تلمودية (مشناة بيريشيت: 15). ربما لم يتمكن محمد من تعلم إلا الشيء القليل عن المسيحية حتى وهو في المدينة, كما يمكننا أن نرى من الصورة الممسوخة السخيفة عن شرعة العشاء الرباني في سورة المائدة: 112 وما يليها. بالنسبة للباقي, من المحتمل جدا أن لم يكن هنالك إنتاج أدبي, أو أي شيء يمكن أن يسمى كتابا بالمعنى الحَصري, قبل القرآن باللغة العربية.

من حيث الأسلوب والتأثير الفني, نجد أن الأجزاء المختلفة من القرآن تتباين جدا في قيمتها. سوف يجد القارئ الناقد وغير المتعصب بالتأكيد القليل جدا من الفقرات التي تُشبع ميوله الجمالية بشدة. إلا أن سوف يصطدم مرارا, وخصوصا مع القطع الأكثر قدما, مع قوة عاطفية ثائرة, ومخيلة نشطة إن لم تكن واسعة. لا يندر أن تبدي أوصاف الجنة والنار والتلميحات إلى أعمال الله في الطبيعة, قدرا من المقدرة الشعرية. في مواضع أخرى نجد أيضا أن الأسلوب حيوي ومثير للإعجاب, بالرغم أنه من النادر بالفعل أن نمر على مجهودات بمثل هذه البساطة الأخاذة كالتي في منتصف سورة الضحى. القسم الأعظم من رسالة القرآن ذو طابع نثري قطعا, وكذلك أسلوبه بالفعل. بالطبع, بمثل هذا التنوع في المادة التي يتم تناولها, لا نتوقع من كل جزءٍ أن يكون مفعما بالحيوية أو خصيب الخيال أو شعري بشكل مساوٍ. من الضروري أن يتم التعبير عن حُكمٍ بشأن الميراث أو إحدى تفاصيل الشعائرِ نثرا, لكي ما يٌفهم. لم يشتك احد من أحكام الشريعة في سفر الخروج أو طقوس تقديم القرابين في سفر اللاويين لأنهم رغبوا في التهاب مشاعر سفر أشعياء أو رقة أسلوب سفر التثنية. إلا أن خطأ محمد يقع في التزامه الدائم والخنوع للصيغة شبه الشعرية التي تبناها في البداية طبقا لذائقته وذائقة مستمعيه. فهو على سبيل المثال يوظف قافيةً في أشد المواضيعِ نثريةً, وهكذا يأتي بنتيجة غير مقبولة هي التنافر بين الأسلوب والموضوع. إلا أن علينا أن نتذكر أن كثيرا من هذه القطع الخطابية المملة بالنسبة لنا, وخصوصا عندما نقرأ اثنان أو ثلاثة منها تباعا (وربما يكون ذلك عبر ترجمة غير دقيقة), لا بد أنها كانت ذات تأثير مختلفٍ تماما عندما كانت تتلى في أجواء لاهبة وعلى أرض مكة الجرداء. كانت الأفكار عن عظمة الله وواجب الإنسان, وهي أفكار تعودنا عليها منذ الصغر, جديدة تماما للمستمعين هناك الذين كان كل تلميح, في نفس الوقت, له معنى لا نلحظه عادة, ونقول مستمعين لأن هذا ما علينا أن فكر فيه لأول وهلة لا أن نفكر في قراء. عندما تكلم محمد عن طيبة الله لخلقه السحاب, وإرساله إلى الصحراء المقفرة, وصب مياهها على الأرض لتعود خضرتها, لا بد أن هذه كانت صورة مثيرة للاهتمام للغاية لدى العرب, الذين اعتادوا على مرور ثلاث إلى خمس سنوات قبل أن ينزل واصب غزيرٌ يكفي لكساء البرية ثانية بالمراعي الجزيلة. إن من المجهد بالنسبة لنا أن ندرك, إلى حد ما, شدة هذا الانطباع تحت سماءنا الغائمة.

إن حقيقة أن بقايا العبارات الشعرية كثيرة بشكلٍ خاص في السور المبكرة تمكننا من فهم سبب أن المجتمع التجاري النثري الميول في مكة قد اعتبر ابن بلدتهم غريب الأطوار "شاعرا," أو حتى "شاعرا مجنونا." اضطر محمد إلى رفض هذه العناوين, لأنه شعر بأنه نبي ملهمٌ من عند الله, إلا أننا نحن أيضا, انطلاقا من موقعنا, سنجرده من العبقرية الشعرية. كالعديد من الشخصيات الدينية على الأكثر, لم يكن لدى محمدٍ تقدير للجمالية الشعرية, وإن صدقنا إحدى الروايات عنه, فإنه ذات يومٍ عندما أنشد كل شخصٍ أبياتا من الشعر, أبدى جهلا بأبسط أوليات قرض الشعر. لذلك فإن أسلوب القرآن ليس شعريا بل بلاغيا. وأكثر التأثيرات القوية التي تحدثها فينا بعض الأجزاء هي نتيجة لأساليب بلاغية. وهكذا فإنه ليس للكتاب المقدس الإسلامي حتى الصيغة الفنية للشعر, والتي تشمل عند العرب وزنا شعريا مُقيِّدا بالإضافة إلى القافية. إن القرآن ليس موزونا البتة, وأجزاء بليغة قليلة واستثنائية فقط تحمل نوعا من الترددات العفوية في الصوت. من جانب آخر, نجد التزاما بالحفاظ على القافية, بالرغم من أن ذلك يتم, وخصوصا في القطع القرآنية اللاحقة, بعد أسلوبٍ شديد الثراء. إن السجع كان شكلا محببا من أشكال الأدب بين العرب في تلك الأيام, فتبناه محمد. إلا أنه إن كان هذا الأسلوب قد أضاف حيوية من نوع ما على بعض الفقرات القرآنية, فإنه قد أثبت كونه عبئا ثقيلا على العموم. لقد لاحظ المسلمون أنفسهم كيف أن طغيان القافية يتجلى في تغيير تسلسل الكلمات واختيار صيغة الفعل, تلك الصيغة التي لم تكن لتيتم توظيفها لولا ذلك, كاستخدام صيغة غير تامة بدلا من الصيغة التامة. على سبيل المثال. في إحدى المواضع, دعا محمدٌ جبل سيناء "سينين"(سورة التين) بدلا من سيناء (المؤمنون: 20), وفي موضعٍ آخر يُسمّى إيليا "إلياسين"(الصافات: 130) بدلا من إلياس (الأنعام: 85 والصافات: 123). إن الموضوع نفسه قد يُحَوّر ليناسب القافية الضرورية. لذلك ما كان النبي ليثبّت العدد المعتاد للملائكة الثمانية المحيطين بعرش الله (الحاقة: 17) لو لم يصادف أن تكون كلمة "ثمانية" من نفس قافية الآيات. وعندما تتحدث سورة الرحمن عن أن هنالك "جنتان, في كل منهما "عينان", و"زوجان" من الفاكهة, ثم عن "جنتان" من دونها, فإن هذا كله لأن القافية (-ان) تمثّل المقطع اللفظي الذي يتحكم بالقافية في السورة بأسرها. في القطع اللاحقة, عادة ما يحشر محمد إشارات تحريرية للنص, لا علاقة لها إطلاقا بالمحتوى, لا لشيء إلا ليلتزم بالقافية. إن من السهل في العربية تجميع أعداد كبيرة من الكلمات ذات النهاية المشتركة, لدرجة أن الإهمال الكلي للقافية في القرآن يعد أمرا بارعا بمقدار الضعف. إن من الممكن القول بأن هذا دليلٌ آخر على عوز محمد للتدريب الذهني وعوزه إلى القدرة على مراقبة نفسه.

على العموم, وبينما تمتلك الكثير من أجزاء القرآن بلا شك قوة بلاغية ملحوظة ومؤثرة حتى على القارئ غير المؤمن, إلا أن الكتاب ليس عملا من الدرجة الأولى بأي حال, إن أخذناه من منظور جمالي. حتى نبدأ مع ما نُحسن نقده, فلننظر إلى بعض القصص الأكثر طولا. مِن الملاحَظ سابقا مدى اتقادها وفُجائيتها في حين أن من اللازم أن تمتاز بسكونٍ ملحمي. عادةً ما يتم حذف روابط لا غنى عنها في التعبير كما في تسلسل الأحداث, لذلك فإن فهم هذه السير هو أسهل بالنسبة لنا (أي المسيحيين. المترجم) مما هو بالنسبة لمن تعلموها لأول مرة, وذلك لأننا نعرف أكثرها من مصادر أفضل. برفقة ذلك, نجد قدرا كبيرا من الإطناب الزائد عن الحاجة, ولا نجد في أي موضعٍ تقدما ثابتا في السرد. قابل, في هذا الصدد, "أجمل قصة," أي سيرة يوسف (سورة يوسف), وانعدام لياقتها الباهر, مع القصة المذكورة في سفر التكوين, التي نفذت بشكلٍ يُثير الإعجاب بالرغم من وجود بعض التباينات البسيطة. نَجِدُ أخطاء مشابهةً في الأجزاء غير القصصية من القرآن. ترابط الأفكار غير محكم على الإطلاق, بل أن الإعراب نفسه يكشف عن غرابة عظيمة. كثيرا ما تظهر مفرداتلا يمكن تفسيرها بأنها أدوات أدبية قد تم استخدامها بوعي. تبدأ الكثير من الجُمَل بلفظة "عندما" أو "يومئذ," لفظات تبدو كما لو أنها تحلق في الجو, مما دفع المفسّرين إلى القول ب"يُعتقدُ أن وربما" إو إلى اعتبارها زائدة نوعا ما. نكرر القول بأن العزف المتكرر وغير الضروري على نفس الكلمات والعبارات لا يدل على مهارة أدبية عظيمة, في الكهف على سبيل المثال يظهر تعبير "حتى إذا" ما لا يقلّ عن ثمان مرات. باختصار, ليس محمدٌُ ذا أسلوبٍ رفيعٍ بأي شكلٍ من الأشكال. إن وجهة النظر هذه سيتبناها أي أوربي يتصفحه للكتاب بروحٍ حيادية وبعض معرفة باللغة, بغض النظر عن التأثير الممل لتكراراته التي لا نهاية لها. إلا أن حُكما كهذا سيبدو في مسامع أي مسلمٍ تقي صادما كما لو كان إلحادا أو شركاً بَيِّناً. فلطالما نظر المسلمون إلى القرآن باعتباره النموذج الأكمل أسلوبا ولُغةً. إن خاصيته هذه في فقهم الديني هو أعظم المعجزات, والدليل الذي لا يمكن دحضه على مصدره الإلهي. قد تُفزعنا نظرة كهذه من عند أناسٍ يعرفون العربية, بكل تأكيدٍ, بشكل أفضل مما قد يتمكن من فعله أمهر مستعرب أوربي. في الحقيقة, يتحدى القرآن بشجاعة خصومه أن يأتوا بعشر سورٍ, أو حتى سورة واحدة , مثل تلك التي في كتاب المسلمين المقدس, فلم يفعلوا ذلك أبدا. من المؤكد أن هذا الأمر ليس مفاجئا تماما, إن تأملنا فيه. إن آياتٍ كالتي كان ينطق بها محمد, ما كان لكافر أن يأتي بها من دون أن يجعل من نفسه أضحوكة. مهما كانت عقائد محمد قليلة الأصالة, إلا أنه كان أصيلا تماما في أعين أهل بلده, حتى في صياغة آياته. إن تأليف مثل هذه الآيات حَسَب الرغبةِ كان أمرا لا قدرة لأكثر الأدباء خبرة عليه, لقد كان هذا الأمر يتطلّب إما نبيا أو مدّعيا وقحا. وإن كانت مثل هذه الشخصيات قد ظهرت فعلا بعد محمد, إلا أنها لم تتمكن إلا من أن تكون شخصياتٍ مقلّدة. كالأنبياء الكذبة الذين ظهروا خلال فترة موته وما بعدها. إن آخر ما يرغب به النبي من الخصوم هو المجيء بأي نموذجٍ مساويٍ للقرآن من الشعر أو البلاغة, فقد كان سيخزى, حتى في عيون العديد من أتباعه, بأول قصيدة تصل إلى يديه. إلا أنه على مثل هذا التفسير الخاطئ لهذا التحدي تأسست عقيدة إعجاز القرآن في الأسلوب وتخير الألفاظ , أما الباقي فقد أكملته العصبية الدينية, التي بإمكانها القيام بمعجزات أخرى إضافة إلى تحويل إنتاج أدبي هزيل إلى رائعة أدبية لا نظير لها في أعين المؤمنين. بعد أن قُبلت وجهة النظر هذه, كانت الخطوة التاليةُ البحث في كل مكان عن دليلٍ لكمال الأسلوب واللغة. إن كان قد وجد بين المسلمين القدامى محبٌ للشعر, وأنه قد واجه صعوبات في تقبل هذه العقيدة, وهذا مما لا يكاد أن يكون فيه شك, فإنه كان مضطرا لأن يكون حذرا من التصريح برأي قد يكلفه حياته. إننا نعرف بفقيه عقلاني واحد على الأقل تحدى العقيدة بشكلٍ يمكننا من أن نرى أنه لم يكن يؤمن بها (الشهرستاني ص 39). في الحقيقة, لو أن أسلوب القرآن كان كاملا لكانت تلك هي المعجزة, لأنه بالرغم من أنه كان هنالك أسلوبٌ شعريٌ معروف آنذاك, يُكاد إلى يهبط إلى مستوى التقليد, إلا أنه لم يكن هنالك أسلوب نثري. إن جميع البدايات صعبة, ولا يمكن اعتبار التهمة الموجهة إلى محمد بأن عمله يشهد لارتباك المبتدئ, تهمة خطيرة, فعمله أول عملٍ نثري من درجة مرتفعة في هذه اللغة. بالإضافة إلى ذلك, علينا أن نتذكر أن الاستمتاع والتأثير الجمالي كانا موضوعين جانبيين على الأغلب. كان الهدف الأسمى الإقناع والمحاورة, وبإمكاننا أن نقول إن شئنا أن هذا الهدف قد تحقق إلى أقصى حد

يستدعي محمد الانتباه مرارا إلى حقيقة أن القرآن غير مكتوب بلغة أعجمية, كباقي الكتب المقدسة, بل باللغة العربية, لذلك فهو مفهومٌ للجميع. في ذلك الوقت كانت كلمات أعجمية عديدة, بالإضافة إلى أفكار أعجمية, قد زحفت إلى اللغة, وبالأخص مصطلحات آرامية لمفاهيم ذات أصولِ ٍيهودية ومسيحية. كانت بعضا من هذه قد دخلت إلى استعمال العامة بالفعل, بينما بقي البعض الآخر محصورا ضمن حلقات محددة. أخذ محمد ٌ, الذي لم يتمكن من التعبير عن المصطلحات الحديثة بحرية بلغة أهل بلده الشائعة بل حاول مرارا إيجاد مصطلحات خاصة به, حريته في استعمال هذه الكلمات اليهودية والمسيحية, كما فعل, إلى درجة ما, مفكرونَ وشعراء معينونَ في تلك الفترة كانوا قد تساموا إلى مستوى التوحيد إلى درجة ما. في حالة محمدٍ كانت الحالة أقلَ روعةً, لأنه كان مدينا لتلقين اليهود والمسيحيين الذين كانت عربيتهم ضعيفة جدا, كما يُلمّح القرآن بشكل واضحٍ تماما إلى أحدهم. كما أنه ليس من المفاجئِ أن نجد استخدامهُ لهذه الكلمات خاطئٌ خطأ فهمه للسِيَر التي كان قد تعلمها من نفس الأشخاص, لدرجة أنه يستخدم تعابير آرامية بشكلٍ غير صحيحٍ بنفس الطريقة التي يستخدم فيها أشخاص غير مثقفين اليومَ كلماتٍ مأخوذة عن الفرنسية. وهكذا, وبينما تعني "فرقان" "خلاصا", إلا أن محمدا (وقد أضله المعنى العربي للجذر "فرق" أي قطع وقرر")يستخدمها للتعبير عن "آيات موحى بها." إن معنى "ملة" الصحيح هو "كلمة" إلا أنها تعني في القرآن "دينا." ربما كانت كلمة "علّيّون" (سورة المطففين: 18, 19) الاسم العبري لله (عِليۆن) أي "الأعلى," إلا أن محمدا يستخدمها للدلالة على كتابٍ سماوي (أنظر إس فراينكل De vocabulis in antiques arabum carminibus et in Corano peregrines, طبعة ليدن 1880, ص 23). إن كلمة "مثاني" وهي , كما خمّن جيجر, صيغة الجمع للكلمة الآرامية, مَثنيثا, والتي هي نفسها الكلمة العبرية مشناة, وتهني في المصطلح اليهودي, حكما شرعيا صادرا من أحد الحاخامين القدامى. إلا أن "سبعا من المثاني" () في القرآن قد تعني آيات سورة الفاتحة السبعة, لذلك يبدو أن محمدا قد خال أنها تعني "قولا" أو "عبارة" (قارن الزمر: 24). إن الكلمات ذات المصدر المسيحي أقل شيوعا في القرآن, ومن المثير للاهتمام أن بعضا منها قد أتى من الحبشية, ك"حواريون" أي رُسل, و"مائدة," وكلمتان أو ثلاث كلمات أخرى, وتظهر هذه الكلمات أول ما تظهر في الفترة المدنية. إن كلمة "شيطان" التي أُخِذت, في البداية على الأقل, من الحبشية, ربما كانت قد دخلت بالفعل إلى اللغة آنذاك. لقد كان سپرنگر محقا في ملاحظته أن محمدا يكاد أن يستعرض هذه الكلمات الأعجمية, كاستعراضه تعابير أخرى قد صيغت بشكلٍ غريب. إنه بهذا يتبع ممارسة محببة لدى معاصريه من الشعراء. إن مما يميل إليه ناقصو الثقافةِ الاستمتاع بإطلاق التعابير الغريبة, وبعقول كهذه يحدثون انطباعا بالمهابة والغموض. لقد كان هذا هو بالضبط التأثير الذي رغب محمدٌ في إحداثه, وللتأكد من ذلك يبدو أنه أقدم حتى على استنباط بضع مفردات غريبة ك"غِسلين" (الحاقة: 36), "سجّين" (المطففين: 7,وتَسنيم (المطففين: 27), وسلسبيل (الإنسان: 18). إلا أن ضرورة تمكين مستمعيه من فهم الأفكار, التي لا بد أنهم وجدوها حديثة بذاتها بشكلٍ كاف, قد فرضت, بالطبع, حدودا ضيقة لدرجة ما على مثل هذه الغرائبيات.

إن محتويات القرآن الحالي الذي بين أيدينا تعود في جزءٍ منها إلى الفترة المكية (قبل 622 ب م.) وفي جزء آخر إلى الفترة التي ابتدأت بالهجرة إلى المدينة (بين خريف 622 والثامن من حزيران 632) . كان موقع محمد في المدينة مختلفا تماما عن ذلك الذي شغله في بلدته الأم. ففي الأولى كان منذ البدء قائدة لحزبٍ قوي, ثم أنه أصبح تدريجيا حاكم شبه الجيرة العربية المطلق, أما في الأخيرة (أي مكة) فقد كان مجرد واعظٍ محتقر لجماعة دينية صغيرة. كما هو متوقع, يظهر هذا الفرق في القرآن. بذلك, فالقطع القرآنية المدنية, سواء أكانت سورا كاملة أم فقرات منفصلة تم إدخالها في سورٍ مكية, متميزة تماما بمحتواها عن تلك التي ظهرت في مكة. في معظم الحالات, لا يوجد شكٌ البتة في أن قطعة ما قد ظهرت إلى النور في مكة أم أنها ظهرت في المدينة, وفي معظم الأحوال يكون مصدرُ الدليلِ الذاتي الروايات الإسلاميَة. وبما أن الآيات التي ظهرت في المدينة تلاحظ أحداثا لدينا عنها معلومات دقيقة بشكل جيد, وتواريخها معروفة على التقريب, فإننا في موقعٍ يمكننا من تحدد تواريخها (أي الآيات) بشكل مؤكد إلى درجة لا بأس بها على أي حال. هنا أيضا تقدم التقاليد مساعدة قيّمة. إلا أن هنالك قدر كبيرٌ من الفقرات غير المؤكدة حتى للمدنية منها, وذلك في جزء منه, يعود إلى أن التلميحات إلى الأحداث والظروف التاريخية عامٌ بدلا من أن يكون خاصا, وفي جزء آخر, إلى أن الروايات عن أسباب نزول القطع المختلفة عادة ما تكون متقلبة, وعادة ما تستند إلى سوء فهمٍ أو حدسِ لا يستند إلى أساس. إلا أنه, مع ذلك, من الأسهل جدا, نوعا ما, ترتيب السور المدنية حسب التسلسل الزمني عن ترتيب تلك التي أُلفت في مكة. هنالك بالفعل رواية تدعي تزويدنا بقائمة مرتبة حسب التسلسل الزمني. ولكن, إن غضضنا النظر عن وجودها بصيغ متشعبة, وأنها لا تراعي حقيقة أن سورنا الحالية مؤلفة جزئيا من قطع ذات تواريخ مختلفة, إلا أنها لا تزال تحتوي على العديد من العبارات المشكوك بها أو المكذوبة بلا شك لدرجة أنه من المستحيل منحها (أي القائمة) أي أهمية. بالإضافة إلى ذلك فإن من غير المحتمل بدايةً أن يدون معاصرٌ لمحمدٍ مثل هذه القائمة, ولو أن أي شخص خاول ذلك, لوجد أن من المستحيل الحصول على معلومات موثوقة حول تسلسل السور المكية المبكرة. ليس لدينا في هذه القائمة رواية أصيلة, بل أعمال أدبية مُجهِدة لنقاد مسلمين أمينين بلا شك, ربما قد عاشوا بعد الهجرة بقرن من الزمان.

من بين الآيات التي وُضعت في مكة, هنالك عدد لا بأس به من السور القصيرة عادة, والتي تصدم كل قارئ منتبه إلى كونها الأقدم. إنها تشكل جنسا مختلفا عن باقي السور عموما, وفي تأليفها ومحتواها تبدي هذه السور أقل شبها بقطع المدينة. من المعقول بلا شك-كما يفترض سپرنگر- أن محمدا ربما عاد في فترات معينة إلى أسلوبه المبكّر, ولكن بما أن هذه المجموعة (من السور) تبدي تشابها لافتا في الأسلوب, وبما أن التشكّل التدريجي لأسلوب مختلف هو حقيقة لا يمكن أن يخطئها أحد, فإن هذا الافتراض قليل الاحتمال. لذلك سنلتزم بالرأي القائل بأن هذه السور تشكل مجموعة قائمة بذاتها. على طرف النقيض منها (أي قصار السور المكية) هنالك مجموعة أخرى, تبدي تشابها واضحا مع أسلوب السور المدنية, لذلك فمن الواجب نسبها إلى الجزء الأخير من سيرة النبي الأدبية في مكة. بين هتين المجموعتين يوجد عدد من السور المكية الأخرى, والتي تظهر من جميع النواحي انتقالا من المرحلة الأولى إلى الثانية . من الضروري أن نقول بأن الفترات الثلاثة , التي ميزها لأول مرة البروفيسور ويل, لا تفصلها حدود تقسيمٍ واضحة. بالنسبة لبعض السور, من المشكوك فيه وضعها في المجموعة الوسطى أم في أحدى المجموعتين الطرفيّتين الأخرتين. ومن المستحيل تماما, ضمن هذه المجاميع, وضع تسلسل زمني للآيات والسور المفردة حتى ولو بشكل محتملٍ. إن أهملنا التلميحات الواضحة إلى أحداثٍ معروفة بشكلٍ جيد, أو أحداثٍ من الممكن تحديد تواريخها, يبقى بإمكاننا أن نحاول تقصي التطور النفسي للنبي بواسطة القرآن, فنرتّب أقسامه تبعا لذلك. إلا أن المرء, في عملٍ مثل هذا, معرّضٌ دائما لأن يضع فرضيات ذاتية الطابع أو مجرد بهرجة لمعلوماتٍ مؤكدة. إن الروايات الجيدة عن أصول الآيات والسور المكية ليست كثيرة جدا. في الحقيقة, إن سيرة محمد بأسرها قبل هجرتهِ مرويةٌ بشكلٍ منقوص لدرجة أننا غير متأكدين حتى من السنة التي ظهر فيها كنبي. ربما كانت سنة ظهوره 610 ب.م, وربما كانت قبل ذلك بقليل, ولكن من غير المحتمل أن تكون بعد ذلك. إن كانت سورة الروم: 1(الم۞غلبت الروم في أدنى الأرض) وما يليها تشيرُ, حسب إحدى الروايات, إلى هزيمة البيزنطيين على يد الفرس غير بعيد عن دمشق, حوالي ربيع 614, فإن هذا يعني أن المجموعة الثالثة (من السور), والتي تعود إليها هذه القطعة, تغطي الجزء الأعظم من الفترة المكّية. وليس من غير المحتمل الحماسة العاطفية التي ميزت المجموعة الأولى كانت قصيرة الأمد. ولا من غيرِ المحتملِ صحةُ الافتراضِ أعلاهُ و الذي تناقضهُ العبارةُ المسندةُ بشكلٍ جيدٍ, بالرغم من أنها بعيدةٌ عن أن تكونَ غير قابلةٍ للرفضِ, والتي تذكرُ (العبارة) أنهُ عندما تحولَ عمرُ بن الخطاب عن دينهِ (615 أو 616 ق.م), كانتْ (سورة.طه), والتي تعود إلى المجموعةِ الثانيةِ مكتوبةً. إلا أن إشارة سورة الروم: 1 وما يليها إلى هذه المعركة بالذات أمرٌ غير مؤكدٍ بأي شكلٍ من الأشكال حتى نستخلص استنتاجات إيجابية منه. الأمر نفسهُ ينطق على التلميحات الأخرى في السور المكية إلى أحداث من الممكن جزئيا التأكد من زمانها. لذلك فمن الأفضل الاكتفاء بتحديدٍ نسبي لتسلسل حتى مجاميعِ السور المكية الثلاثة الكبرى.

في قطع الفترة الأولى, عادة ما يتجلى هيجان النبي خلال نوبة الصرع بأشد ما يمكن من العنف. إن عواطفه تحمله بعيدا لدرجة أنه يُصبح غير قادرٍ على اختيار ألفاظه, بل يبدو كما لو أنها تتفجّر من داخله. تذكرنا العديد من هذه القطع بنبوءات الكهّان الوثنيين القدامى الذين يعتبر أسلوبهم معروفا بالنسبة لنا من خلال تقليد أعمالهم, بالرغم من أننا ربما لا نمتلك نموذجا أصيلا لهذه النبوءات. كهذه النبوءات الأخرى, تتألف سور هذه الفترة, وهي على الدوام ليست طويلة جدا, من جمل قصيرة ذات قوافٍ دقيقة ولكنها سريعة التغير. إن الأيْمان أيضا, والتي تبدأ الكثير من السور بها, كانت كثيرا ما تُستخدم من قبل الكهان. بعض هذه الأيمان جلفة جدا وعسيرة الفهم, وربما قُصِد من بعضها ألا تُفهم, لأننا نقابل بالفعل كل ما هو غريبٌ في هذه الفصول القرآنية. يتكلم محمدُ أحيانا عن رؤى, ويبدو أنه قد رأى ملائكة تقف أمامه متجلية بهيئة بشرية. هنالك أوصاف جلية بشدة للبعث واليوم الآخر, أوصافٌ ربما كان لها تأثير شيطاني على رجالٍ لم يكونوا مطلعين قبلا على مثل هذه المشاهد. ترسم قطع قرآنية أخرى بألوان زاهية صور مُتع السماء وعذابات الجحيم. إلا أن سور هذه الفترة ليست كلها عنفوانية كهذه, ويبدو أن تلك التي تم إدراكها أثناء مزاجٍ مستقر هي الأقدم. إلا أن على المرء أن يُكرر أن من الصعب جدا استظهار تسلسل زمني دقيق بأي شكلٍ كان. على سبيل المثال, ليس من المؤكد على الإطلاق إن كانت بداية سورة العلق هي بالفعل أقدم جزء في القرآن بأسره كما تدعوها روايات شائعة عديدة. تعود هذه الرواية إلى زوج محمدٍ المفضلة عائشة, ولكن, بما أنها لم تكن قد وُلدت في الفترة التي يُقال أن الوحي قد نزل فيها, فإن هذه الرواية يُمكنها ,على الأفضل, أن تحتوي ما قاله لها محمد بعد ذلك بسنوات, مستدعيا ذكرياته الخاصة وغير الواضحة تماما, مع أو بلا إضافات مُصطنعة. بالإضافة إلى ذلك, لا تُعتَبر عائشة مصدرا موثوقا به بشدة, أضف إلى كل هذا, هنالك قطع قرآنية أخرى يذكُرها آخرون مُدعين الأقدم. على أي حال تُعتبر سورة العلق: 1 وما يليها, مبكرة جدا بلا شكٍ. طبقا للرواية التقليدية, والتي يبدو أنها صحيحة, يبدو أن السورة تتعلق برؤيا تلقى فيها النبي أمرا بقراءة آيات نقلها له الملاك. من المثيرِ ملاحظة أن هنا قد تم أيضا تقديم شيئين كدليل على قدرة الله وعنايته,أحدهما هو خلق الإنسان من نطفة- وهي فكرة يكررها محمد, والآخر هو فن الكتابة المستعمل حديثا, والذي يستغله محمد بغريزية كأداة للدعاية لعقائده الدينية. إن الآيات لم تصبح عاطفية بشدة إلا بعد أن لاقى محمدٌ مقاومة صلبة. في تلك الحالات, لم يتردد عن النطق بنبوءات فضيعة بحق من سخروا من مواعظه التي تدور حول وحدة الله والبعث والحساب. لقد صده عمه ابو لهب بفظاظة نوعا ما, فسُلِّمه هو وزوجه إلى الجحيم عبر سورة قصيرة خاصة. إن سور هذه الفترة تشكّل بصورة تكاد أن تكون كاملة الأجزاء الختامية من النص القرآني الحالي. إلا أن المرء يميل إلى الافتراض بأنها كانت أكثر عددا في ما مضى, وأن الكثير منها قد ضاع في فترة مبكرة.

بما أن قوة محمد تكمن في خياله المتحمس والمنفعل لا في ثراء الأفكار وصفاء الفِكَر المجردة واللتان يعتمد عليهما الاستنتاج الدقيق, لذلك لابد أن تكون السور القديمة التي تظهر فيها الصفات المذكورة أعلاه بأجلى صورة أكثر جاذبية بالنسبة لنا من السور اللاحقة. في سور الفترة الثانية يتلاشى توهج المخيلة فجأة, لا يزال هنالك انفعال وحيوية, إلا أن النبرة تصبح مملة أكثر فأكثر. ومع هبوط القلق النفسي المحموم, تمتد دورات ظهور القوافي طولا, وتصبح الآيات أطول عموما. إن صِدق العقيدة يتم إثباته من خلال الحوادث المتراكمة التي تدخل فيها الله مؤثرا في الطبيعة والتاريخ, واعتراضات الخصوم, سواء أكانت تطرح انطلاقا من إيمان قوي أو من سخرية, يتم مجادلتها من خلال طرح براهينه. إلا أن طريقة عرضها كثيرا ما تكون مرتبكة أو حتى ضعيفة. يتم قص سيّر الأنبياء السابقين, والتي كانت قد تم التعرض إليها باختصار في الفترة الأولى, بإسهاب أحيانا.

هنالك قطعة في القرآن تعود إلى بداية هذه الفترة, إن لم تكن تنتمي إلى خاتمة الفترة السابقة, وتسترعي اهتماما خاصا. تلك هي السورة الأولى, أو "الصلاة الربانيةُ" الخاصة بالمسلمين, وجوهرة التاج القرآني بلا منازع. كلمات هذه السورة, والتي تعرف بالفاتحة, هي كالتالي:

بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ۞الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَاَلمِينَ۞الرَحْمَنُ الرَحيمُ۞مَالِكِ يَومِ الدِين۞إياكَ نَعْبُدُ وإِياّكَ نَستَعِينُ۞إِهدِنَا الصِرَاطَ المُسْتَقِيمَ۞صِرَاطَ الذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَالِينَ۞

إن الأفكار شديدة البساطة لدرجة أنها لا تحتاج إلى تفسير, إلا أن هذا "الدعاء" مليء بالمعاني. إنه, والحق يقال, لا توجد في السورة فكرة محمدية أصيلة واحدة. إن العديد من الكلمات والتغييرات في التعابير مأخوذة من اليهود مباشرة, بالأخص وصف الله بأنه "الرحمن," وهذه الكلمة بكل بساطة هي "رَحمانا" اليهودية والتي كانت اسما مفضلا لله في الفترة التلمودية. يبدو أن محمدا قد فكّر لفترة ما في تبني "الرحمن" كاسم خاصٍ بالإله الواحد, بدلا عن الله, والذي كان يستخدم بالفعل من قِبل الوثنيين. لقد تخلى لاحقا عن هذا الغرض, إلا أن استخدام كلمة ":الرحمن" ليس شائعا بشكل خاص إلا في سور الفترة الثانية. يبدو أن محمدا قد ادخل صيغة "باسم الله..إلخ" لأول مرة في السورة الأولى. من المؤسف أن يفقد هذا الدعاء مفعوله عبر استعماله المتكرر, فكل مسلمٍ يؤدي صلاته بانتظام, كما يفعل معظم المسلمين, يكررها مالا لا يقل عن عشرين مرة يوميا.

إن سور المرحلة المكية الثالثة والتي تشكل جزءا كبيرا من قرآننا الحالي, تكاد أن تكون نثرية بالكامل. بعض الآيات ذات طول ملحوظ, والسور المفردة هي بدورها أطول بكثير عن ما في السور الأكثر قِدما. لا تبرق لمحة من القوة الشعرية إلا في مواضع متفرقة, فالطابع الوعظي طاغٍ. إن السور شديدة التركيز على التثقيف بالنسبة لشخصٍ قد روض نفسه على أهميتها, إلا أنها, على الأقل بالنسبة لنا, لا تبدو ملائمة جدا للتمكن من إقناع عقول الكفار. إلا أن هذا الانطباع خاطئ, لأن إشهار هذه السور المكية الأكثر طولا يبدو أنه, في الحقيقي, قد كان مؤثرا بشكلٍ خاص في نشر الإسلام. لم تكن مهمة محمد موجهة إلى الأوربيين, ولكن إلى شعب , بالرغم من أنه سريع البديهة ونبيه, إلا أنه لم يكن معتادا على التفكير المنطقي, بينما كان قد تخلص من ديانته القديمة السابقة.

عندما نصل إلى الفترة المدنية يُصبحُ من الأسهل, كما قد بيّنا, أن نفهم الآياتِ في سياق علاقاتها بالتواريخ, وذلك لأن معرفتنا بتأريخِ محمدٍ في المدينة يُعتبرُ كاملا بشكل كافٍ. في العديد من الحالات تكون الحادثة التاريخية واضحة تماما, وفي حالات أخرى يَكون بإمكاننا, على الأقل, التعرّف على الموقف العام الذي ظهرت فيه الآيات, وهكذا يكون بإمكاننا تحديد زمنها. إلا أنه يبقى, مع ذلك, بقية لا يمكننا أن نقول عنها إلا أنها مدنية فحسب.

يحمل أسلوب هذه الفترة شبها كبيرا بذلك الذي للفترة المكية المتأخرة. إنه في معظم الوقت نثر بشكلٍ كامل, تُثريه محلّيِاتٌ لفظية أحيانا. ألا أن بإمكاننا هنا أيضا أن نجد العديد من الفقرات المضيئة والمثيرة للإعجاب, بالأخص تلك الأقسام التي من الممكن اعتبارها إعلانات موجهة إلى جيش المؤمنين. لمحمدٍ بالنسبة للمسلمين رسائلُ مختلفة. في بعض الحالات تعتبر الرسالة استدعاء للقيام بمعركة من أجل العقيدة, وفي حالات أخرى تعتبرُ سلاسل من التأملات حول نجاحٍ تم اختبارهُ حديثا أو فشل, أو توبيخا لقليلي الإيمان, أو موعظة بالالتزام بالخُلُق, وهكذا. إنه عادةً ما يُخاطب "المنافقين," والذين يُراوح بعضهم بين الإيمان والكُفر, بينما يدعي آخرون الإيمان, ولا يُكاد آخرون أن يبالوا حتى بفعلِ ذلك. إنهم ليسوا بالحزب المتماسك, إلا أنهم بالنسبة لمحمدٍ سواء في أنهم مثيرون للحنق, لأنهم ما إن يقتربَ الخطر أو تُطلب مشاركةٌ حتى يفروا كلهم سواء. هنالك تهجماتٌ لفظية متكررة الظهور ضد اليهود, الذين كانوا كثيري العدد جدا في المدينة وفي جوارها عند وصول محمد, وتزداد هذه التهجمات شدةً باضطرادٍ. لقد كان لديه القليل مما يُمكن أن يَقوله بحق المسيحيين, الذين لم يحتك بهم عن قرب, أما بالنسبة للوثنيين, فلم يكن هنالك إلا مناسبات قليلة في المدينة يُمكنها فيها أن يتوجه إليهم فيها بكلام كثير. يتألف جزء من القطع المدنية من فقراتِ قانونية رسمية تنتمي إلى القوانين الطقسية والمدنية والجزائية, أو توجيهاتٍ تتعلق بتعقيدات مؤقتة. إن أكثر أجزاء القرآن إثارة للنفور هي تلك التي تتعامل مع علاقاتِ محمدٍ بالنساء. إن الشِرَع والأحكام برفقة قطع أخرى ذات أهمية مشابهة وغير مشابهة, نجدها الآن في سورٍ طويلة للغاية.

إن هذه صورةٌ غير كاملة لمحتوى القرآن وتاريخه الداخلي, إلا أن من الممكن الاكتفاء بتبيان أن الكتاب مجموعة متباينة المواضيع. فلو أن تلك الفقرات التي لها قيمة دائمية تتعلق بالناحية الدينية أو بالمنظومة الأخلاق أو الشرائع الخاصة بالمسلمين هي فقط التي تم الاحتفاظ بها, عندها ستكفي تماما بضعة بقايا من هذا الكتاب. من حسن حظ المعرفة, أدى توقير قدسية الحَرْفِ إلى جمعِ جميعِ الآياتِ التي كان بالإمكان جمعها, الناسخة مع المنسوخة, والفقرات التي تشير إلى ظروفٍ قد انقضت مع تلك التي لها أهمية دائمة. إن كل من ينظر إلى الكتاب من وجهة نظرٍ دينية لائقة, كما يفعل معظم المسلمين, يقرأ القطع الموجهة ضد ممارسات أهل مكة السخيفة التي قد انتهت منذ زمن بعيدٍ بنفس الإخلاص الذي يبديه عند قراءته لأكثر المفاهيم الأخلاقية ثقلا, وربما أشد إخلاصا من ذلك, لأنه لا يفهمها بشكل جيد جدا.

في بدابة تسع وعشرين سورة نجد حروفا استهلالية معينة, لا يمكننا أن نحصل على فهم واضحٍ لها. لذلك نجد في بداية سور البقرة وآل عمران ولقمان والسجدة نجدُ "الم", وفي بداية غافر والأقحاف نجد "حم." في وقت سابقٍ اقترحت بأن هذه الأحرف لا تنتمي إلى نص محمد, بل أنها ربما تكون تواقيع لمالكي المصاحف, تواقيعُ ربما أُدخلت في الصيغة النهائية للقرآن عبر إهمال من جانب المنقحين. إلا أنني أعتبر الآن أن الأكثر احتمالا هو أنها تعود إلى النبي نفسه, كما افترض سبرگر ولوث. لا يمكن حقا الاعتراف بصحة ما قاله لوث من أن بإمكاننا عموما أن نجد في الكلمات الافتتاحية لهذه السور تلميحا إلى الحروف الاستهلالية المرافقة. إلا أنه من غير المحتمل أن تكون صدفةً حقيقةُ أن الكلمات الأولى للغالبية العُظمى لهذه السور (الآية الثانية من سورتي البقرة وآل عِمران) تظم كلمة "كتاب" أو "آيات" أو مرادف آخر. إنها عادة ما تبدأ ب"ذلك الكتاب" أو "تنزيل الكتاب او ما شابه. من بين السور التي تستهل بهذا الشكل قليل فقط الكهف والنور والفرقان والزمر هي تلك التي تفتقد لهذه الحروف الاستهلالية, بينما تمتلك سور العنكبوت والروم الأحرف إلا أنها تبدأ بشكلٍ مغاير. من السهل القول بأن ن هذه الاستثناءات قد نشأت عبر تحريفات قديمة, فلا يمكنها على حال أن تنفي الدليل الذي يُقدمه العدد الكبير. يبدو أن محمدا قد عنا بهذه الأحرف إشارة صوفية إلى النص الأصلي المحفوظ في السماء. بالنسبة لرجلٍ يعتبر فن الكتابة, الذي كان لديه أقل معرفة به بأفضل الأحوال, شيئا فائقا للطبيعة, ولرجلٍ عاش وسط شعب أُمي, قد تبدو ألف باء ذات معنى أعمق مما قد يبدو لنا نحن الذين قد تدربنا على أسرار هذا الفن منذ الصغر. لا يمكن الاعتقاد بأن النبي نفسه قد أعطى لهذه الرموز أي معنى خاص. إنها تؤدي غرضها إن أنها تركت انطباعا بالمهابة والغموض المبهم. في الحقيقة, يعترف القرآن بأنه يحتوي أشياء عديدة لا يمكن, ولم يُقصد منها, فهمها(آل عمران: 5). إن اعتبار هذه الأحرف شفراتِ نظريةٌ هشة , لسبب بسيط هو أنه لا يُمكن البحث عن التشفير في فترة طفولة فن الكتابة العربية. إن كانت شفرات بحق, فإن تعدد الشروح المحتملة يُبعد في الحال الأمل بإيجاد تفسيرات معقولة. لم تؤدي الجهود الموجهة في هذا الاتجاه, سواء قام بها علماء مسلمون أو أوربيون, إلى أي نتيجة مُقنِعة. إن الملاحظة المذكورة تشير إلى حتى إلى تخمين سپرگر المبتكر أن حروف "كهيعص" في بداية سورة مريم (التي تتناول قصة يحيى وعيسى, والتي, طبقا للروايات, قد تم إرسالها إلى ملك الحبشة) تعني "ملك اليهود عيسى الناصري"لقد توصل سپرگر إلى هذا التفسير بطريقة مصطنعة جدا, بالإضافة على أن محمدا لم يكن بسذاجة التقليديين الذين تخيلوا أن الحبشيَ بإمكانه أن يقرأ قطعة من القرآن العربي. من غير الضروري القول بأن المسلمين منذ القدم قد كرسوا أنفسهم باجتهاد لمحاولة فك طلاسم هذه الفواتح, وقد وجدوا فيها أحيانا أعمق الأسرار. إلا أن مكتفون عموما بالاستنتاج الحذر بأن الله وحده هو الذي يعرف معنى هذه الأحرف

عندما توفي محمد, كانت قطع القرآن المنفصلة موجودة في نسخٍ متفرقة, بالرغم من قُدسيتها النظرية. لذلك فقد كانت في خطر أن تتلف بشكل جزئي أو كامل. حفظ الكثير من المسلمين أجزاء من القرآن عن ظهر قلب, ولكن لم يحفظ أحدُ القرآن كله بالطبع, فكان لنشرٍ عن طريق التداول لوحده أن يفتح الباب لكلِ أنواع التحريفات المقصودة وغير المقصودة. لم يفكر محمدٌ نفسه بجمع آياته في مجموعة أصيلة, لقد كان منشغلا عادة بموضوع الساعة فلم تدخل باله فكرة أن الآيات ستدمر إن لم يوفر طريقة لحفظها بشكل آمن. إن من الصعب نوعا ما على رجلٍ تنقصه الثقافة الأدبية يستشرف مصير نتاجاتٍ فكرية. ولكن الآن بعد وفاة محمد, ثار معظم العرب على خليفته, فوجب إخضاعهم بالقوة. كانت دمويةً بشكل خاصٍ مواجهة النبي مَسلمة,وهو مقلّد لمحمدٍ عادة ما يُعرف باسم التحقير مسيلمة(أي مسلمة الصغير). في ذلك الوقت (633 ب.م) سقط بعض أكثر المسلمين إخلاصا صرعى, وكانوا هم نفسهم الرجال الذين كانوا يحفظون معظم قطع القرآن غيبا. عندها بدا عمر يخشى أن يُنسى القرآن تماما, فحث الخليفة أبا بكر على أن يقوم بجمع جميع أجزاءه. ألقى الخليفة المهمة على كاهل زيد بن ثابت, وهو مدني الأصل, وكان آنذاك في الثانية عشرة من عمره, وكان عادة ما يقوم بوظيفة الكاتب للنبي, ويُقال أنه تعلم حتى الحروف العبرانية خلال خدمته. لقد وصلتنا رواية جمع القرآن هذه بصيغٍ متعددة متطابقة بشكلٍ كبير, وهي تعود إلى زيد نفسه. طبقا لهذه الروايات, قام زيدٌ بجمع الآيات أخذا من نسخٍ مكتوبة على الحجارة الرقاق, والرقاع من الجلد, و العسب أو جريد النخل (لا السعف نفسه), ومواد كهذه, ولكنه جمعها بالأخص "من صدور الرجال" أي أخذا من ذاكرتهم. أخذا من هذه قام بكتابة نسخة حسنة قام بإعطائها لأبي بكر, ثم أنها انتقلت منه إلى خليفته عمر, والذي أورثها لابنته حفصة, أحدى أرامل النبي. إن هذه المجموعة من الكتابات والتي عادة ما تٌعرف بالصحف لم يكن لها منذ البداية سلطة مرجعية, ولا يمكن إلا الحدس بترتيبها الأساسي.

لقد كان المسلمون أبعد ما يكون عن امتلاك نصٍ موحدٍ للقرآن. لم يعلم أكثر محاربيهم بسالة إلا القليل عنه بشكلٍ يثير الأسى. إن الامتياز في هذا المجال قد أُعطيَ لرجال أتقياء كابن مسعود. إلا أن ظهور الاختلافات بين نصوص الفقهاء المحترفين كان أمرا لا يمكن درءه, وبما أن هؤلاء الرجال كانوا مراجع لقراءة القرآن في محال سكناهم المتعددة, بدأت الخلافات بالاندلاع بين أجناد المقاطعات المختلفة حول الصيغة الحقيقية للكتاب المقدس الإسلامي. خلال غة جرت في عام 30 للهجرة (650-651 ب.م) , أدرك حُذيفة المنتصر في معركة نهاوند العظيمة والحاسمة والتي كانت بالنسبة لإمبراطورية الساسانيين كما كانت گاوگاميلا بالنسبة لإمبراطورية الأخمينيين, أدرك أن خلافاتٍ كهذه بإمكانها أن تُصبح خطرة, لذلك فقد حث الخليفة عثمان على ضرورة وجود نصٍ ملزم لجميع المسكونة.عُهد بالمهمة إلى زيد الذي كان قد قام بعملية الجمع السابقة, وإلى ثلاثة قرشيين بارزين. جمع هؤلاء أكبر عددٍ من النسخ أمكنهم أن يضعوا أيديهم عليها, واعدوا نسخة أصبحت النسخة القانونية لجميع المسلمين. لمنع أي خلاف مستقبلي, قاموا بإحراق جميع المصاحف الأخرى عدى مصحف حفصة, والذي بالرغم من ذلك أُحرق لاحقا من قبل مروان والي المدينة. لقد كان إحراق المصاحف السابقة خسارة لا يمكنم تعويضها للنقد. إلا أن هذه الخطوة كانت ضرورية من أجل الغاية ذات الطبيعة السياسية, التي هي وضع حدٍ للجدال من خلال الاعتراف بصيغة واحدة فقط لكتاب الدين والشريعة الذي يشترك فيه الجميع.

إن نتاج هذه الأعمال بين يدينا, إلا أننا لا نمتلك معلوماتٍ موثوقة حول كيفية السير بهذه الأعمال, إن الروايات هنا متأثرة جدا بالافتراضات المسبقة الناتجة عن تحيّز عقائدي. إلا الأساليب النقدية لهيئة علمية حديثة لا يُمكِن توقعها في عصرٍ تُعتبر فيه أعلى ثقافة يمكن لعربي أن ينالها هي أن يكون قادرا على القراءة والكتابة. يبدو لي في هذه المرحلة أن هذا الجمع الأدبي الثاني قد اتخذ النمط البسيط التالي: يقرأ زيدٌ في المصحف الذي كان قد كتبه سابقا, فيكتب زملائه, بوقت واحدٍ او تباعا, نسخةً كلٌ حسب إملائه. كانت تلك, كما أفترض, النسخ الثلاثة التي تم إرسالها إلى المراكز الثلاثة: دمشق والبصرة والكوفة, لتكون بمثابة مراجع للأجناد المتمركزين في الولايات الثلاث على التوالي. لا شك في أن نسخة رابعة قد استبقيت في المدينة. فإن كان ذلك صحيحا, فمن المستحيل الآن أن نميز في الصيغة الحالية للكتاب ما يعود إلى أول جمع عن ما يعود إلى الثاني.

في ترتيب الأقسام المنفصلة, كان التصنيف حسب المحتوى أمرا غير عملي لأن مواضيع مختلفة كان يتم تناولها في سورة واحدة. وكان الترتيب على أساس التسلسل الزمني أمرا غير ممكن, لأنه لا بد أن تسلسل القطع الأقدم لم يكن معروفا بالضبط, ولأن فقراتٍ ذات تواريخ مختلفةٍ كانت تُجمع سوية في بعض الأحيان أيضا. بالفعل, كانت مبادئ تنظيمية كهذه مهملة تماما في تلك الفترة. وهكذا رتّبت القطع لا على التعيين, وكانت القاعدة المرعية الوحيدة هي وضع السور الطويلة أولا والأقصر آخرا, بل أنه حتى هذا الأمر لم يُراعى بالحرف. إن سورة الفاتحة القصيرة وضعت في محلها مراعاة لتفوقها على باقي السور, كما وضعت معوذتان في النهاية كنوعٍ من الحماية, هذا الأمران كانا الآثار الخاصة الوحيدة التي تدل على التصميم. إن جمع قطعٍ ذات مصادر مختلفة ربما نشأ جزئيا عن إعداد المصاحف التي جمع منها زيدٌ نسخته الكاملة الأولى, وجزئيا بسبب زيدٍ نفسه. تُفصل السور ببساطة من خلال العبارة الاستهلالية "باسم الله الرحمن الرحيم" والتي لا تكون مفقودة إلا في سورة براءة. أما العبارات المقدمة الأخرى الموجودة في نصوصنا (اسم السورة وعدد آياتها, إلخ) فلم تكن موجودة في المصحف الأصلي, ولم تشكل جزءا أساسيا من القرآن.

يقال أن عثمان قد وجه زيدا ومجموعته أن يتبعوا في حالة وجود خلال اللهجة القرشية, ولكن بالرغم من ان هذه الرواية ذات سند جيد إلا أنه لا يكاد أن يكون ممكنا أن تكون صحيحة. كان أسلوب الكتابة البدائي للغاية في تلك الأيام غير قادرٍ على تبيان اختلافات دقيقة كتلك التي كانت موجودة بين طريقة لفظ أهل مكة وطريقة لفظ أهل المدينة.

لم يكن قرآن عثمان كاملا. بعض الفقرات متقطعة كما يبدو, كما أن قطعا مُقتطعة قليلة كانت في الأصل أجزاء من القرآن لا تزال موجودة, بالرغم من أنها قد حُذِفت من قبل زيد. من بين هذه أجزاء لا يوجد سبب لافتراض أن محمدا رغب في كتمها. ربما سها زيد عن بضعة بقايا ضالة, ولكن من غير المحتمل تماما أن يكون قد حذف أي شيء اعتَقَدَ أنه يعود على القرآن. لقد حدس البعض أنه قد أبعد عن الكتاب ذكر أعداء محمد مراعاة لرؤساه, ذلك إن شاء أن يحتفظوا أو تحتفظ عوائلهم باحترامهم في المستقبل. ولكن علينا أن نتذكر أنه لم تكن من عادة محمد أن يشير بوضوح إلى معاصريه وإلى شؤون معاصرة في القرآن. فلم يُذكر بالاسم إلا صاحب واحد هو ابنه بالتبني زيد (الأحزاب: 37) وعدو واحد هو عمه أبو لهب (سورة المسد ), وكان ذِكر هؤلاء لأسباب خاصة, كما أن اسم أبي لهب قد تُرك في القرآن مع لعنة مخيفة مرتبطة به, بالرغم من أن ابنه قد أسلم قبل وفاة محمد, وبالرغم من أن ذريته كانوا من علية القوم. لذلك, من جانب آخر, لا توجد آية واحدة أو عبارة واحدة يمكن اعتبارها بشكل منطقيٍ مقحمة من قبل زيد بأمر من أبي بكر أو عمر أو عثمان. ربما كانت هنالك أغلاط نسّاخين, إلا أن قرآن عُثمان لا يحتوي إلا على عناصر أصيلة, بالرغم من أنها ذات تسلسلٍ غريب جدا أحيانا.

لا يزال بالإمكان التبيان بشكلٍ واضح كيف أن مصاحف القرآني العثماني الأربعة كانت مفترقة عن بعضها البعض في نقاطٍ إملائية, وفي إدخال أو حذف حرف العطف "و." وأمورٍ دقيقة كهذه, إلا أن هذه الاختلافات لا تؤثر على المعنى بأس شكلٍ. كل المخطوطات المتأخرة مأخوذة عن هذه الأربعة الأصلية.

في نفس الوقت, لم تنقرض الصيغ الأخرى للقرآن حالا. فبالأخص لدينا بعض المعلومات عن مصحف أُبي. إن كانت القائمة التي تُعطي تسلسل سوره صحيحة, فلا بد أنه قد احتوى عموما على نفس المواد الموجودة في نصنا, في تلك الأدلة لا بد أن أُبي كان قد استخدم مجموعة زيدٍ الأصلية. نفس الشيء ينطبق على مصحف ابن مسعود, الذي لدينا دليل يشرح محتوياته. يبدو أن مبدأ وضع السور الطوال قبل القصار كان أكثر إلزاما بالنسبة له بالمقارنة مع زيد. إنه يحذف سورة الفاتحة, والمعوذتين (سورة الفلق وسورة الناس). من جانب آخر يضم أُبي دعائين قصيرين آخرين, لا أجرؤ على التشكيك بأصالتهما الآن كما فعلت سابقا. من السهل على المرء أن يفهم أنه قد وجدت اختلافات في وجهات الرأي حول إن كانت صيغ كهذه –أدعية ومعوذات- تنتمي إلى القرآن وكيف تنتمي إليه. بعض القراءات الشاذة لكلا النصين لا تزال محفوظة, بالإضافة إلى عدد لا بأس به من القراءات المغايرة القديمة الأخرى. تعتبر معظم هذه القراءات دون القراءات التي وصلت إلينا درجةً بكل تأكيد, إلا أن بعضها بنفس الدرجة من الجودة, والبعض منها يستحق أن يفضل. إن الرجل الوحيد الذي يبدو أنه عارض تعميم نص عثمان هو ابن مسعود, الذي كان أحد أقدم أتباع النبي, ولطالما قادم خدماتٍ شخصية له, إلا أنه كان رجلا ذو وجهات نظرٍ متعارضة بالرغم من أنه كان أحد أعمدة الفقه الإسلامي, ولكن معارضته لم تجد نفعا. إننا الآن إن راعينا حقيقة (1) أنه في ذلك الوقت كان هنالك العديد من المسلمين الذين كانوا قد استمعوا للقرآن عن لسان النبي,(2) وأن الإجراءات التي قام بها عثمان المغفل قد قوبلت بمقاومة شرسة من قبل أبطال الإسلام الغيارى, (3) وأن هؤلاء قد زاد حنقهم عليه بسبب بعض رفاقه القدامى الطموحين, حتى قتلوه, (4) وأن الشيع المتعددة الني ظهرت خلال الحروب الأهلية التي اندلعت بعد موته كانت ترحّب بأي حجة تمكنها من وصف خصومها بالكفار- إن راعينا كل هذه الحقائق, يكون علينا أن نعتبرها شهادة قوية في صالح قرآن عُثمان, أنه لم يرفض النص الذي صاغه زيد, الذي كان واحدا من أشد أتباع عثمان وعشيرته إخلاصا, أي شيعة من الشيع, ولم تكن شيعة عليٍ مستثناة من ذلك, بل أننا لا نجد حتى عند شيعة علي إلا على إشارات قليلة إلى وجود تململٍ من تصرف الخليفة في هذه المسألة (جمع القرآن).

إلا أن هذا الجمع لم يكن خاتمة تاريخ نصّ القرآن. كانت الألفبائية العربية القديمة منقوصة للغاية, فهي لم تفتقد للإشارات التي تدل على أحرف العلة القصيرة وعلى أحرف العلة الطويلة في بعض الأحيان, بل أنها كانت تعبّر عن عدة أحرفٍ صحيحة باستخدام الرمز نفسه, فصيغ الأحرف المختلفة التي كانت متمايزة بوضوحٍ قبلا, أصبحت مع الوقت متطابقة. لذلك, على سبيل المثال, لم يكن هنالك لا رمز واحد للتعبير عن حروف "ب, وت, وث" وكذلك "ن" و"ي" أن أتيا في بداية الكلمة أو في وسطها. بالرغم من أن القارئ المطّلع تماما على اللغة لم يكن يواجه أي صعوبة عموما في معرفة أي لفظِ قصده الكاتب, ولكن بما أنه كان هنالك العديد من الكلمات التي كانت تَسمح بأن تُلفظ بطرق مختلفة جدا, لم يكن من النادر أن يُشك في طريقة اللفظ. كانت هذه الاختلافات في القراءات الممكنة عظيمة للغاية في البداية, ويبدو أن العديد من القراء أرادوا اكتشاف طرق تلفظٍ جديدة, على شرط أن تكون موافقة للنص المبهم. كان هنالك أيضا في رخصة في تطويع اللهجات للقواعد اللغوية, رخصةٌ لما تكن قد حُصرت بشكلٍ كبير. بذل الكثيرون جهودهم لوضع تلفّظٍ قرآني أكثر إحكاما مما كان منتشرا في الحياة العامة أو في الأدب غير الديني. تباينت مدارس القراء للغاية, بالرغم من أنه لم يكن هنالك اختلاف كبيرٌ في مفهوم الكلمة الواحدة عادة. نالت بعض هذه المدارس سلطة مرجعية خاصة, واختفت المدارس الأخرى. عموما, يعتبر سبع من القراء مراجع رئيسيين, ولكن هذا العدد تضائل تدريجيا مع الزمن لأسبابٍ عملية, فلا يستخدم اليوم إلا أسلوبان في القراءة, ذلك الشائع عموما والذي لحفص وذلك الذي لنافع والشائعُ في أفريقيا إلى الغرب من مصر.

إلا أن هنالك علم قراءاتٍ شامل تماما تُحدد فيه عدد من الأساليب الأخرى. إن استنباط الحركات, والتنقيط المخصص للتمييز بين الأحرف الصحيحة المتشابهة في الشكل, وعلامات إملائية أخرى, سرعان ما وضع حدا لتخميناتِ القراءِ العشوائية. عارض العديد من الغيورين إدخال هذه البدع على النص المقدس, إلا أن التماسك الديني كان عليه أن يخضع للحاجة العَملية. إننا بالفعل نجد أن جميع هذه الإضافات في المصاحف الدقيقة, بالإضافة إلى عناوين السور, إلخ, كانت مكتوبة بحبرٍ لون, بينما تمثّل رموز الكتابة السوداء الأصل كما وضعه عثمان بالضبط. إلا أن من المحتمل ألا توجد نسخة متمسكة بهذا الجانب.

إن التلاوة الصحيحة للقرآن فنٌ صعب المنال حتى بالنسبة للعرب أنفسهم. بالإضافة إلى التلفظ المُصطنع الذكور أعلاه, على القارئ الالتزام بترتيل شبه منغّم. في هذه الأمور هنالك أيضا اختلافات عظيمة بين المدارس المختلفة.

بالإضافة إلى وجود عدد لا حصر له من المخطوطات القرآنية الحديثة في المكتبات الأوربية, هنالك أيضا مصاحف أو قصاصات غارقة في القدم, ربما يعود بعضها إلى القرن الأول للهجرة. إلا أنه لغرض إعادة إيجاد النص, تُعتبر أعمال الفقهاء القدامى المتعلقة بقراءته ونسخه أكثر أهمية من المخطوطات, والتي مهما كانت حسنة الخط والتزويق, تبقى نتاجا لنسّاخين مهملين. إن الأصل الذي دونه عثمان نفسه, قد تم عرضه في أرجاء العالم الإسلامي المختلفة. إن مكتبة المكتب الهندي تحتوي واحدة من هذه المخطوطات, وهي تحمل هامشا يقول: "كُتِبه عثمان بن عفان." إلا أن هذه, بالطبع, أعمال مزورة بشكل واضح, بالرغم من أنها تعود إلى تاريخٍ قديم. كذلك هي تلك التي تدعي بأنها كتبت بيد علي, إحداها محفوظة في المكتبة ذاتها. في الأزمنة الحديثة تمت طباعة القرآن, وطباعته بالطباعة الحجرية أيضا, في الشرق وفي الغرب.

بعد وفاة محمد بوقتٍ قصير, كرّس أشخاص محددون أنفسهم لشرح القران الذي كان جزء كبير منه غامضا منذ البداية, وكانت أقسام أخرى منه غير مفهومة إلا من ناحية معرفة الظروف التي نشأت فيها. لسوء الحظ, لم يكن ألئك الذين احتكروا هذا المجال جديرين بالاحترام. لقد أشاع ابن عباس, وهو ابن عمٍ لمحمد والمصدر الرئيسي للتفسير التقليدي للقرآن على أسس دينية وغير دينية, عددا من الأكاذيب, وقد اتبع على الأقل عددٌ من تلاميذه مثاله. لقد تناولت هذه التفاسير المبكرة مفهوم الآية بمجملها وترابطها أكثر من تناولها مفهوم الكلمات المفردة. بعد ذلك, ومع انحدار المعرفة باللغة القديمة, ونهوض الدراسات اللغوية, ازداد الاهتمام بتفسير المفردات. لقد وصلت إلينا وصلات عديدة جدا من التفسيرات الدينية واللغوية من القرنين الأولين للهجرة, بالرغم من أننا لا نمتلك تفسيرا كاملا من تلك الفترة. ربما كان من الممكن إيجاد أكثر المواد التفسيرية في التفسير الضخم للغاية الذي ألفه الطبري (839-923 ب.م), الشخصية المحتفى بها, والتي توجد منه نسخة تكاد أن تكون كاملة في المكتبة الخديوية في القاهرة. تفسيرٌ شهيرُ آخر هو ذلك الذي للزمخشري (1075-1144 ب.م), والي نقحه ناساو-لي في كلكتا في عام 1859. إلا أن هذا العالم بنفاذ بصيرته الكبيرة ودقة فهمه الأكبر,يفوقنا قدرة على قراءة أفكاره الكلامية عن القرآن. إن التفسير الأكثر قبولا, ذلك الذي للبيضاوي (ت. 1286ب.م) لا يكاد يزيد عن أن يكون اختصارا للزمخشري. لقد كُتبت الآلاف من التعليقات على القرآن من قِبل المسلمين, ولبعضها حجمٌ هائل. وحتى عدد تلك الموجودة في مخطوطات ليس صغيرا . بالرغم من أن تلك الأعمال الكثير مما هو غير ذي فائدة أو خاطئ, إلا أنها تعد مساعداتٍ لا تقدر بثمن لفهمنا الكتاب المقدس عند المسلمين. لا شك في أن أوربيا غير متحيّزٍ سيرى, بلمحة منه ,العديد من الأشياء بشكلٍ أوضح مما يمكن أن يراه مسلمُ مخلص واقعٌ تحت تأثير العصبية الدينية. إلا أننا سوف نضل عاجزين من دون أدبيات المسلمين التفسيرية.

حتى العربي المسلم من أيامنا هذه لا يزال غير محتفظ إلا بفهم عديم الوضوح وغير مكتمل للقرآن, إلا إن أنه كان قد درس تفسيره دارسة خاصة. لأن الميزة العظيمة التي يفتخر بها الكتاب نفسهُ في أنه مبين للجميع قد اختفت مع مرور ثلاث عشرة قرنا. بالإضافة على ذلك, يُعتقد على العموم أن من غير المهم إن كان معنى الكلمة مفهوما أو لا أثناء شعيرة قراءة القرآن, إن تم الالتزام بالتلاوة الصحيحة.

يبقى الكثير مما يجب على الدراسات الأوربية القيام به من أجل إيجاد التفسير الصحيح للقرآن. ينقصنا, على سبيل المثال, تصنيفٌ شامل ومناقشة لجميع العناصر اليهودية في القرآن. إن مقدمة تستحق الثناء قد وُضعت بالفعل في مقالة جيجر الفتيّةl : Was hat Mohammed aus dem Hudenthume aufgenommen?" إن ما ينقصنا بالأخص هو تفسير عميق يتم تنفيذه باستخدام أساليب العلم الحديث وموارده. يبدو أن لا لغة أوربية بإمكانها حتى أن تفتخر بترجمة تلبي المتطلبات العصرية تماما. إن أفضل ترجمة هي الترجمة الإنجليزية, حيث لدينا ترجمة سَيل المسهّلة, ولكن المثيرة للإعجاب عن أخذنا بنظر الاعتبار تأريخها, وتلك التي لرودويل (1861), التي تحاول منح قطع النصوص القرآنية تسلسلا زمنيا. وتلك التي لپالمر (1880), الذي اتبع بحكمةٍ الترتيب التقليدي. إن المقدمة المرفقة بترجمة پالمر ليس بأي حالٍ مسايرة لآخر المستجدات البحثية. إن قدرا لا بأس به من المقتبسات عن القران قد تمت ترجمتها بشكلٍ جيد في كتاب أي دبليو لَين , Selections from the Kur-an .

بالإضافة إلى التعليقات على القران بأسره, أو على أجزاء ومواضيع خاصة فيه, يحتفظ المسلمون بأدبٍ كاملٍ في ما يتعلق بكتابهم المقدس. هنالك أعمال تدور حول تهجّي ألفاظ القرآن والتلفظ الصحيح به, ,وأعمال عن جمل لغته, وأعمال عن عدد آياته, وكلماته, وحروفه, إلخ. بل أن هنالك ما يمكن أن يسمى في عصرنا الحالي ب"بالمقدمات التاريخية والنقدية." بالإضافة إلى ذلك يعتبر أصل فقه اللغة العربية مرتبطا للغاية بتلاوة القرآن وتفسيره. إن تبيان أهمية الكتاب المقدس الإسلامي لحياة المسلمين الفكرية بأسرها, معناه ببساطة أن نكتب تاريخ هذه الحياة نفسها, لأنه لا توجد ناحية لم يتم فيها الإحساس بتأثيره القوي, ولكن غير الناجع دوما.

إن توقير المسلين الذي لا حد له للقرآن يبلغ ذروته في عقيدة أن هذا الكتاب هو كلام الله (وهي عقيدة ربما ظهرت في زمنٍ مبكر تحت تأثير عقيدة المسيحيين في كلمة الله الأزلية), بمعنى أنه صادر من الله كما يعتقدُ, فيكون بهذا "أزليا" وغير مخلوق." لقد تم قبول هذه العقيدة من قبل جميع المسلمين منذ بداية القرن الثالث. بالفعل, لم يعترض عليها بحماسٍ شديد بعض الفقهاء, لقد كان سخيفا حقا الإعلان بأن كتابا مؤلفا من كلماتٍ وأحرف غير ثابتة , ولديه الكثير من الأشكال المتباينة, كان إلهي المصدر تماما. ولكن ما عساها أن تكون فائدة ميزات علماء الدين وسفسطاتهم, إن لم يكونوا قادرين على إزالة هذه التناقضات وإدانة خصومهم بالابتداع؟

يمكن, بالأخص الرجوع إلى هذه الأعمال: Einleitung in den Koran الطبعة الثانية, 1878 لويل. Geschichte des Qorans في گوتنگن 1860 لنولديكه. وأوراق محمد من تأليف موير وسپرنگر.

ملاحظات:

1-بما أن جذر "رحم" في العربية يعني "رَحِمَ," لذلك لا بد من أن يكون العرب قد أدركوا قوة الاسم الجديد حالا.
2- أنظر....تفسير خلف, كان لديه تفسيرا للقرآن مكونا من 100 جزء, وهو أكبر هذه الأنواع من الكتب, على حدِ علمنا.
المصدر: " The Qur'an," Sketches from Eastern History" لثيودور نولديكه, ترجمه جضي إس بلاك,. لندن. مطبعة آدم وتشارلز بلاك, 1892

1 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

ملاحظة: المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها