The Out Campaign


محرك البحث اللاديني المواقع و المدونات
تصنيفات مواضيع "مع اللادينيين و الملحدين العرب"    (تحديث: تحميل كافة المقالات PDF جزء1  جزء2)
الإسلام   المسيحية   اليهودية   لادينية عامة   علمية   الإلحاد   فيديوات   استفتاءات   المزيد..
اصول الاسلام  تأريخ القرآن ولغته  (أخطاء علمية / ردود على مزاعم الإعجاز في القرآن والسنة)  لاعقلانية الإسلام  العدالة والأخلاق  المزيد..
عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان

04‏/11‏/2010

أصول القرآن. بحث في تاريخ الدراسات القرآنية الاستشراقية (1/2)

تأليف: ابن الوراق  
ترجمة : ابن المقفع  
المصدر: منتدى الملحدين العرب
أصول القرآن، عن: أصول القرآن, مقالات كلاسيكية عن كتاب الإسلام المقدّس
الناشر: ابن الوراق, كتب بروميثيوس

مقدمة
إن الصورة النمطية عن المجاهد المسلم الذي يحمل السيف في يد والفرآن في بد أخرى لا يمكن أن تكون واقعية إلا إذا كان المجاهد أعسرا, لأنه لا يمكن ولا يجب على مسلم مخلص أن يلمس القرآن بشماله المخصصة للأعمال النجسة. يقدّس جميع المسلمين القرآن تقديسا يقارب درجة الbibliolatery والتخريف. يشيرگليوم فيقول"إنه قدس الأقداس. لا يجب ان يكون موضعه تحت الكتب الأخرى بل أعلاها دوما, ولا يجب على أي شخص أن يشرب أو ياكل شيئا عندما يُتلى, وعليه أن يصغي بصمت. إنه حرز ضد المرض والكوارث."

إن القرآن يثير مشاعر أخرى عند بعض الغربيين. بالنسبة لگيبون كان القرآن"أدب خرافة عاطفي المحتوى وغير متماسك," أما بالنسبة لكارلايل فقد كان "غباءا غير مستند إلى شيء," بينما هوذا ما يعتقده العالم الألماني سالمون رَيناخ: "من وجهة نظر أدبية, ليس للقرآن الكثير مما يمكن أن يمتدح عليه, فالأسلوب الخطابي والتكرار والصبيانية وانعدام المنطق وتماسك النص تواجه القاري غير المستعد حيثما توجه. إن من المهين للفكر البشري التفكير في أن هذا العمل الأدبي البسيط كان موضع تعليقات لا حصر لها, وأن ملايين من البشر لا يزالون يهدرون أوقاتهم في تناوله."

من الضروري لنا في دراسة القرآن أن نميز بين الصيغة التأريخية والميول الدينية. حن هنا مهتمون فقط بالحقائق المسلّم بها من خلال عمليةٍ من التقصي العقلاني بفحص علمي للمسألة. كتب الالم بالإسلاميات آرثر جفري في عام 1937 فقال: "ان التقصي النقدي لنص القرآن هو شكل لا يزال في مهده من أشكال الدراسة," وفي عام 1977 لاحظ جون وانزبرو أنه "كوثيقة قابلة للتحليل بواسطة الوسائل والطرق المستخدمة في نقد الكتاب المقدّس يعتبر ]القرآن[ مجهولا تماما." مع حلول عام 1990, بعد أكثر من خمسين عاما على تشكّي جفري, لا نزال في نفس الموقف المشين الذي وصفه أندرو رِپن قائلا: لطالما صادفت أشخاصا بدأوا بدراسة القرآن متسلحين بلخلفية في الدراسة التأريخية للكتاب المقدّس العبراني أو المسيحية المبكرة, والذين كانوا متفاجئين من ضحالة الفكر النقدي الذي يظهر في كتب منهجية هي مقدّمات لدراسة الإسلام. إن الإشارة إلى أن الإسلام قد وُلد في فترة "نور التاريخ الجلي" لا تزال معتمدة من قبل العديد من كتّاب مثل هذه الكتب. وبينما تعتبر الحاجة الى الاصلاح ما بين التقاليد التاريخية المختلفة معترفُ بها عموما, الا ان هذا عموما لا يشكل معضلة بالنسبة للمؤلفين اكثر من اضطرارهم الى تحديد "ما يبدو معقولا" في موقف معيّن. بالنسبة لطلاب على معرفة بوسائل كنقد المصادر, التآليف الشفهية الصيغوية, التحليل الأدبي ودراسة الهيكلية الأدبية, والتي توضّف كلها بشكل معتاد تماما في دراسة اليهودية والإسلام, فإن دراسة تأريخية ساذجة مثل هذه تقترح كما يبدو أن الدخول في دراسة الإسلام يُمارس بإخلاص أكادمي أقل من المطلوب. إن الأسئلة التي يأمل أي تحقيق نقدي للقرآن إجابتها هي:

1-كيف أتى لنا القرآن؟ أي جمع القرآن ونقله

2-متى كُتب, ومن كتبه؟

3-ما هي مصادر القرآن؟ أين تم أخذ القصص والأساطير والمباديء التي تكثر في القرآن

4- ما هو القرآن؟ بما أنه لم يكن هنالك إطلاقا نص قرآني مقبول من غير اختلافات, فإننا نحتاج لتقرير أصالته .

سأبدأ بالرواية التقليدية المقبولة بدرجات مختلفة من قبل معظم العلماء المختصين الغربيين, ومن ثم أنتقل إلى آراء مجموعة صغيرة ولكنها مهولة, مؤثرة, ونامية من العلماء المختصين المتأثرين بعمل حون وانزبرو.

طبقاا للرواية التقليدية , أوحي بالقرآن لمحمد, من قبل ملاك عادة, بشكل تدريجي على فترة دامت لسنوات حتى وفاته في عام 632 ب.م . من غير الواضح كم من القرآن تمت كتابته ساعة توفي محمد, إلا أن من المحتمل أنه لم يكن هنالك مخطوطة واحدة جمع فيها النبي بنفسه الوحي بأكمله. مع ذلك, هنالك تقاليد تصف كيف أن النبي قام بإملاء هذا الجزء من القرآن أو ذاك على كتّابه

الجمع تحت إشراف أبي بكر

منذ هذه اللحظة تبدو الرواية التقليدية أكثر وأكثر تعقيدا, في الحقيقة لا يوجد تقليد واحد بل تقاليد عديدة غير منسجمة. طبقا لأحد التقاليد, حدث خلال خلافة أبي بكر القصيرة (632-634 ب.م) أن قلق عمر, الذي كان له هو نفسه أن يخلف أبي بكر في عام 634, من حقيقة أن العديد من المسلمين الذين كانوا يحفظون القرآن غيبا قد قتلوا في معركة اليمامة في وسط الجزيرة العربية. كان هنالك خطر حقيقي من أن أجزاءا من القرآن ستضيع إلى الأبد إن لم يتم جمعٌ للقرآن قبل أن يُقتل المزيد ممن يحفظ هذا الجزء من القرآن أو ذلك. أعطى أبو بكر الإذن لاحقا لمثل هذا المشروع, وطلب من زيد بن ثابت, كاتب النبي الأسبق, أن يقوم بهذه المهمة المهولة. فباشر زيدٌ في جمع القرآن من "قطع البردي, والحجارة المسطحة, وسعف النخيل, وألواح كتف الحيوانات وأضلاعها, وقطع الجلد وألواح الخشب, بالإضافة إلى جمع ما يحفظه الرجال عن ظهر قلب." ثم أن زيدا نسخ ما جمعه على رقائق أو أوراق نباتية (شحوف). وما إن اكتمل حتى سُلّم القرآن إلى أبي بكر, ومن بعد وفاته إلى عمر, ومن بعد وفاته انتقل إلى ابنة عمر حفصة.

إلا أن هنالك أشكالٌ أخرى لهذا التقليد, يقترح بعضها أن أبا بكر كان صاحب فكرة الجمع, وفي أشكال أخرى يعزى الفضل لعلي, رابع الخلفاء ومؤسس الشيعة, كما تستبعد أشكال أخرى للتقليد أبا بكر تماما. بالإضافة إلى ذلك تُطرح للنقاش فكرة أن مهمة عسيرة مثل هذه لا يمكن تنفيذها في غضون عامين. من غير المحتمل أن من مات في معركة اليمامة , وهم من حديثي العهد بالإسلام, كانوا يحفظون أي قدر من القرآن عن ظهر قلب. إلا أنه ما يُعتبرُ أهم نقطة تؤدي إلى رفضنا تقليد جمع القرآن لأول مرة بإشراف أبي بكر هو أنه ما إن تمّ الجمع حتى اعتُبر ملكا خاصا بحفصة, لا نصا مقدسا مرجعيا رسميا. بكلمات أخرى, نجد أنه لا تُمنحُ أي مرجعية لقرآن أبي بكر. لقد اقتُرِحَ أن القصة بأسرها اختُلقت لانتزاع فضل الجمع الرسمي الأول للقرآن من عثمان الخليفة الثالث, الذي كان مبغوضا للغاية. اقترح آخرون أنها اختُلقت "لإعادة تاريخ جمع القرآن على فترة هي أقرب ما يكون لوفاة محمد

الجمع تحت إشراف عثمان

طبقا للتقليد, نفذت الخطوة التالية تحت إشراف عثمان (644-656). طلب أحد قادة عثمان من الخليفة أن يُقدِم على خطوة كهذه لأن خلافات عميقة نشأت بين أجناد جيشه القادمين من أمصار مختلفة بخصوص القراءة الصحيحة للقرآن. اختار عثمانُ زيدَ بن ثابت لتهيئة النص الرسمي, فقام زيد, بمساعدة ثلاثة أعضاء من عوائل مكة الشريفة, بتنقيح القرآن بعناية من خلال مقارنة نسخته هو بالصحف التي في حوزة حفصة, ابنة عمر. اما في حالة وجود صعوبة في القراءة, فقد كان زيد يتبع لهجة قريش, قبيلة النبي, كما كان قد وُجّه. تم إرسال نسخ الصيغة الجديدة, التي من المفترض أن تكون قد أكملت بين عامي 650 و656 عام وفاة عثمان, إلى الكوفة والبصرة ودمشق وربما مكة, وأُبقيت واحدة في المدينة بالطبع, وأُمر بإتلاف الصيغ الأخرى.

إن صيغة سرد الحوادث هذه مفتوحة الباب للنقد أيضا, فاللغة العربية التي كتب بها القرآن ليست بلهجة, و يختلف عدد الأفراد الذين عملوا كأعضاء في اللجنة برفقة زيد في بعض الروايات, وبعضها يضم أسماءا لأشخاص كانوا أعداء لعثمان, واسم شخص من المعروف أنه قد مات قبل هذه الأحداث! إن الوجه الثاني من القصة هذا لا يذكر مشاركة زيد في جمع القرآن الذي ناقشناه في الوجه الأول

إن غضضنا النظر عن وانزبرو wansbrough وتلاميذه, الذين سنتطرق إلى عملهم بعد حين, يبدو أن معظم العلماء المختصين المعاصرين موافقون على أن تأسيس نص القرآن تم بإشراف عثمان بين عامي 650 و656 بالرغم من كل الانتقادات المذكورة أعلاه. إنهم يقبلون بشكل أو بآخر الرواية التقليدية لل"جمع العثماني," كما يبدو لي, من دون إعطاء سبب قوي واحد لقبول التقليد الثاني هذا ونبذ التقليد الأول الذي يتحدث عن الجمع تحت اشراف أبي بكر. إن هنالك فجوة واسعة في طروحاتهم, هذا أو أنهم لا يطرحون أي قضية للنقاش على الإطلاق. على سبيل المثال بعد أن يعدد تشارلز آدمز الصعوبات التي يواجهها المرء مع رواية الجمع العثماني, يستنتج فجأة و بابتعاد مذهل عن المنطق أنه: "بالرغم من مشاكل الرواية التقليدية, لا يمكن مناقشة أهمية النص لمرجعي الذي أُعدّ بإشراف عثمان," بالرغم من أنه لم يثبت لحد الآن أن القرآن كما نعرفه قد أعد بإشراف من عثمان. لقد افتُرِض ببساطة منذ القدم أن القرآن قد اتخذ شكله النهائي على يد عثمان, وأن كل ما علينا هو تفسير معضلات ذلك. والحقيقة هي أننا نستطيع ان نسخّر نفس الحجج التي استخدمناها في ابطال قصة جمع ابي بكر وذلك لابطال قصة الجمع العثماني, أي أن بإمكاننا أن نقول بأن قصة عثمان قد اخترعت من قبل أعداء أبي بكر وأصحاب عثمان, من الإمكان القول بأن الجدليات السياسية قد لعبت دورا في اختراع هذه القصة الأخيرة أيضا . كما أن القصة عن عثمان تترك أسئلة مربكة كثيرة من غير إجابة. ما كانت تلك الصحف التي في حوزة حفصة؟ وإن كانت صيغة أبي بكر مزيفة فمن أين أتت بها حفصة؟ وما هي هذه الصيغ التي كانت تطوف في الأمصار كما يبدو ؟ متى اكتمل جمع هذه النصوص, ومن قبل من؟ أيمكننا حقا أن تكون لنا الخيرة فنختار, بإرادتنا من بين الأشكال المختلفة, ومن بين التقاليد المتضاربة؟ ليس لدينا سبب مقنع لقبول قصة الجمع العثماني بدلا عن قصة جمع أبي بكر, فعلى أي حال كلتا القصتين مستقاة من مصادر واحدة, كلها متأخر بشكل كبير, ومتحيزٌ لدرجة التعصب, وكلها تلفيقات متأخرة كما سنرى لاحقا.

إلا أنني أواجه بمعضلات أولية بشكل أعمق إن أردت قبول أي من هذه الروايات الرسمية, تلك المعضلات تتعلق بقيمتها الاعتبارية. عند الإصغاء إلى هذه الروايات, تثور في إحساسي اعتراضات لا يبدو أن أحدا قد طرحها من قبل. أولا, إن كل هذه القصص تلقي بعبء هائل على ذكريات المسلمين الأوائل. لقد اضطر الفقهاء حقا إلى تضخيم حجم الذاكرة الخصبة التي يمتاز بها العرب. لم يكن بإمكان محمد ان يقرا او ان يكتب طبقا لبعض التقاليد, لذلك يعتمد كل شيء على حفظه التام لما قد أوحى الله به له من خلال ملائكته. إن بعض القصص في القرآن طويلة للغاية, على سبيل المثال, تستحوذ قصة يوسف على سورة كاملة من مائة وأحدى عشرة آية. أعلينا أن نعتقد بأن محمدا قد تذكرها كما أوحيت له بالضبط.

بشكل مشابه يقال أن صحابة النبي قد حفظوا الكثير مما أوحي إليه. ألا يمكن لذاكرتهم أن تخونهم؟ إن من عادة التقاليد الشفهية أن تتغير على مر الزمان, فلا يمكن الاعتماد عليها لتشكيل تأريخ موثوق به وعلميّ, يبدو أننا نفترض بأن صحابة النبي قد سمعوه وفهموه بشكلٍ تام

صيغٌ مختلفة, آيات ناقصة, آيات مضافة

يعتبر المسلمون, بلا استثناء,أن القرآن الذي بحوزتنا يعزى في نصه وعدد سوره وترتيبها إلى عمل الهيئة التي عينها عثمان. يخبرنا التقليد الإسلامي أيضا أن قرآن عثمان يحتوي على كل الوحي الذي تسلمه المجتمع الإسلامي محفوظا بإخلاص وبدون أي اختلاف من أي نوع وأن قبول القرآن العثماني يكاد أن يكون عالميا منذ لحظة توزيعه. إن الموقف الإسلامي التقليدي تحركه عوامل عقائدية ولا يمكن إسناده بدليل تاريخي.

يقول تشارلز آدمز : "بينما يلتزم أكثر المسلمين المعاصرين بموقف محافظ لا يلين, إلا أن العلماء المسلمين في سنوات الإسلام المبكرة كانوا أكثر مرونة بكثير, فقد كانوا مدركين بأن أجزاءا من القرآن قد فقدت أو حُرّفت, وأن هنالك آلاف الصيغ بحيث يصبح من غير الممكن التحدث عن "القرآن." على سبيل المثال يقتبس السيوطي (ت. 1505), أحد أشهر مفسري القرآن القرآن وأكثرهم احتراما, قول عمر بن الخطاب-كذا- (الصواب ابن عمر): "ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر." (السيوطي, الإتقان في علوم القرآن, ج3, ص72)). قالت عائشة زوج محمد المفضلة, طبقا للتقليد الذي رواه السيوطي أيضا: "كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن"

يذكر السيوطي أيضا هذه القصة عن أبي بن كعب أحد أهم أصحاب محمد: سأل هذا الصحابي الشهير واحدا من المسلمين:" كأين تعد سورة الأحزاب؟ قلت: اثنتين وسبعين آية أوثلاثة وسبعين آية، قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم. قلت: وما آية الرجم قال: إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم." كمل لوحظ سابقا, وبما أنه لم توجد وثيقة واحدة تضم الوحي كله, فقد حاول العديد من أتباع محمد بعد وفاته في عام 632 ب.م أن يجمعوا كل ما يعرفونه من الآيات الموحى بها ويدونونها بشكل كتاب مخطوط . وسرعان ما أصبح لدينا مخطوطات لفقهاء عدة كابن مسعود وأبي بن كعب وعلي وأبي بكر والأسود وآخرون (ذكر جفري في الفصل السادس من كتابه خمسة عشر مخطوطة أولية, والعديد من المخطوطات الثانوية). بانتشار الإسلام, أصبح لدينا نتيجة لذلك ما يعرف بمخطوطات عواصم الأمصار في مراكز كمكة والمدينة ودمشق والكوفة والبصرة كما رأينا سابقا, "حاول عثمان أن يجلب النظام لهذا الموقف الفوضوي من خلال استحداث مرجعية المخطوطة المدنية الذي تم إرسال نُسخ نمنه إلى عواصم الأمصار كلها, مع أوامر بإتلاف جميع المخطوطات الأخرى.

كان من المفترض بمخطوطة عثمان أن تكون مرجعا للنص المكتوب بحروف ساكنة, إلا أننا نجد أن أن العديد من التقاليد المختلفة لهذا النص المكتوب بالحروف الساكنة قد عاشت لتصل إلى القرن الرابع الهجري. ما زاد في المعضلة حقيقة أن النص المكتوب بحروف ساكنة كان غير منقط, بمعنى أن النقط الضرورية لتمييز حرف "ب" عن "ت" وعن "ث" كانت غير موجودة. وكانت أحرف عديدة أخرى (حرفا "ف" و "ق." وحروف "ج"و "ح" و"خ," وحرفا"ص"و "ض," وحرفا"ر" و"ز," وحرفا"س" و"ش," وحرفا"ظ" و"ط) لا يمكن المييز بينها. بمعنى أن القرآن كان مكتوبا بنمط كتابة فيه إشكال scripta defective. كنتيجة لذلك, كان من الممكن وجود قراءات مختلفة طبقا للطريقة التي يُنقّط بها النص .

إن أحرف العلة تمثّل مشكلة أسوأ. في الأصل, لم يكن لدى العرب إشارات تمثّل أصوات العلة القصيرة, فالخط العربي مكون من أحرف صحيحة. وبالرغم من أن أصوات العلة القصيرة من الممكن حذفها, إلا أن من الممكن تمثيلها أيضا من خلال إشارات إملائية توضع فوق الحروف او تحتها, وعددها ثلاث إشارات, تتخذ شكل خط قصير مائل قليلا أو شكل فارزة. بعد تثبيتهم لأحرف العلة, كان لا يزال أمام المسلمين أن يقرروا أي أحرف علة سيوضفونها, وأدى استخدام أصوات علة مختلفة بالتأكيد إلى قراءات مختلفة. لم يتم إتقان نمط كتابة جليّ يكوّن نصا مبيّنا لأصوات العلة ومنقط بشكل كامل إلا مع حلول القرن التاسع الميلادي.

أدت المشاكل المتعلقة بأسلوب الكتابة ذو الإشكال بشكل حتمي إلى ظهور مراكز عديدة ذات تقاليد مختلفة بخصوص كيفية تنقيط النص وقراءة حروف علته. بالرغم من أمر عثمان بإتلاف كل النصوص الأخرى عدا نصه, إلا أن من الواضح أن الصيغ القديمة قد بقيت. كما يقول تشارلز آدمز: "يجب التأكيد على أن أنه بدلا من وجود نص واحد تداوله الناس بدون تحوير منذ ايام هيئة عثمان, فإن آلاف القراءات المختلفة لآيات معينة كانت معروفة في القرون الثلاث الهجرية الأولى, وأقول هذا حرفيا. لقد أثرت هذه الأشكال المختلفة المخطوطة العثمانية نفسها, جاعلة من الصعب معرفة ما هو الصحيح من ما يمكن أن يكون صحيحا."

فضل بعض المسلمين مخطوطات أخرى غير المخطوطة العثمانية, كأن تكون مخطوطة ابن مسعود, أو أبي بن كعب أو أبو موسى. في النهاية, وتحت تأثير العالم القرآني الكبير ابن مجاهد (ت935), تم تثبيت شكل مرجعي لنظام واحد من الأحرف الصحيحة , كما وضع حد للتنوعات في لفظ أحرف العلة المستخدمة في النص مما أدى إلى قبول سبع قراءات. إلا أن عالما آخر قبل عشر قراءات, وقبل آخرون أربعة عشر قراءة. بل أن قراءات ابن مجاهد السبعة نفسها قدمت أربعة عشرة إمكانية بما أن كل واحدة من السبعة كانت تؤخذ عن راويَين مختلفين. وهكذا أصبح لدينا

1- قراءتا ورش وقالون عن نافع المدني
2-قرائتا البزّي وقنبل عن ابن كثير المدني
3-قراءتا هشام وابن ذكوان عن ابن عامر الدمشقي
4-قراءتا الدري والسوسي عن أبي عمرو البصري
5-قراءتا حفص واب بكر عن عاصم الكوفي
6-قراءتا خلف وخلد عن حمزة الكوفي
7-قراءتا الدري وابي الحارث عن الكسائي الكوفي

في النهاية سادت ثلاثة قراءات هي قراءة ورش (ت. 812) عن نافع المدني, وقراءة حفص (ت.805) عن عاصم الكوفي, وقراءة الدري (ت.860) عن عمرو البصري. يبدو أن صيغتان من هذه الصيغ تٌستخدم في الإسلام الحديث: تلك التي لحفص عن عاصم الكوفي, والتي أعطيت نوعا من الرسميّة من خلال تبنيها في النسخة المصرية من القرآن في عام 1924. وتلك التي لورش عن نافع, والمستخدمة في أجزاء من إفريقيا لا تشمل مصر.

كما يذكرنا تشارلز آدمز: من المهم نوعا ما استدعاء الانتباه إلى مصدر محتمل لسوء الفهم بشان الصيغ المختلفة من القرآن. إن ال(صيغ) السبعة تُشير إلى نصوص مكتوبة وشفهية حقيقية, إلى صيغ متمايزة من الآيات القرآنية, والتي برغم أن اختلافاتها قد لا تكون كبيرة, إلا أنها جوهرية برغم ذلك, وذلك لأن وجود قراءات مختلفة للقرآنبحد عينه مضاد للموقف العقائدي تجاه الكتاب المقدّس الإسلامي الذي يقفه العديد من المسلمين المعاصرين, إن من غير النادر أن تسمع في سياق أدبيات الدفاع عن الإسلام أن ال(صيغ) السبعة هي أشكال تلاوة, والحقيقة هي أن طريقة وأسلوب التلاوة هو مسألة مختلفة تماما. يشير گليوم أيضا إلى الاختلافات بين الصيغ إلى أنها "ليست تافهة من حيث القيمة دوما." على سبيل المثال, تقول آخر آيتين في سورة البروج: (21) ههٌوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (22) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظ . إن المقطع الأخير (ظ) مشكوك فيه. فلو أن (محفوظ) كانت مجرورة (ظٍ), فإن الآية ستعني أن القرآن المجيد "موجود" في لوح "صفته" محفوظ, وفي هذا إشارة إلى عقيدة المسلمين المتعلقة باللوح المحفوظ. أما إن كانت (محفوظ) مرفوعة (ظٌ) سيكون لدينا أنه قرآن مجيد محفوظٌ في لوح. هنالك عبارات أخرى بمشاكل مشابه تتعلق بالتشريعات الاجتماعية.

إن وافقنا على أن هنالك حذفٌ فلم لا يكون هنالك إضافة؟ إن التشكيك في أصالة العديد من الآيات في القرآن مسألة قد طرحت من قبل المسلمين أنفسهم. لقد وجد العديد من الخوارج, الذين كانوا من أتباع علي في فجر تأريخ الإسلام, أن السورة التي تروي قصة يوسف مهينة, وأنها قصة غرامية لا تنتمي إلى القرآن. يشك هرشفيلد في أصالة الآيات التي يظهر فيها اسم محمد, , فهنالك أمر مثير للشك نوعا ما في مثل هذا الاسم الذي يعني كثير الحمد, والذي يحمله النبي. إن الاسم لم يكن اسما شائعا بالتأكيد, إلا أن اسم النبي يظهر في وثائق تم الاعتراف بأصالتها كميثاق المدينة.

يعتقد معظم الباحثين بأن هنالك مواد مقحمة في القرآن, يمكن أن تعتبر هذه المواد المقحمة حواشي على كلمات نادرة معينة بحاجة إلى تفسير. أما المواد المقحمة الأشد خطورة فهي تلك التي لها صفة عقائدية أو سياسية, والتي يبدو أنها أضيفت لتبرير ترفيع عثمان إلى منصب الخلافة على حساب علي. هنالك أيضا آيات قد أضيفت رغبة في الحصول على سجعة, أو لربط فقرتين قصيرتين لا ترابط بينهما.

يمر بل وواط Bell and Watt بعناية عبر العديد من التعديلات والتنقيحات ويشيران إلى عدم تطابق أسلوب القرآن كدليل على حدوث الكثير الكثير من التغييرات في القرآن: هنالك من الطابع الخام للعمل الشيء الكثير, وهذا كما يدّعى, دليل أساسي على التنقيح. بالإضافة إلى النقاط المشار إليها أعلاه-السجعات المخفية, وعبارات السجع الغير الداخلة في نسيج الفقرة-هنالك التغييرات المفاجئة التالية في السجع : تكرار نفس كلمة السجع أو العبارة المسجوعة لربط آيتين, إقحام موضوع خارجي في فقرة تبدو متناسقة بدونه, معاملة مختلفة لنفس الموضوع في آيتين متجاورتين مع تكرار الكلمات والعبارات, انقطاع في التركيب النحوي مما يرفع من درجة إشكال التفسير, تغير مفاجئ في طول الآية, تغيّر مفاجئ في الموقف الدرامي مع تغير في الضمائر من مفرد إلى جمع, ومن المخاطب إلى الغائب, وهكذا, تجاور عبارتين تبدوان متناقضتين, تجاور فقرتين من تأريخ مختلف مع إقحام عبارة fare لآيات مبكرة. في الكثير من الحالات يكون للعبارات تكملات تتبع بعضها في النص نفسه. النوع الثاني من التبديلات يمتاز بانفصام عن المعنى وانفصام في البناء النحوي, بما أن الارتباط لا يكون مع ما يتبع من الكلام مباشرة, بل مع يكون في على بعد بضعة كلمات قبل ذلك. لقد انتقد الكندي المسيحي (لا يجب الخلط بينه وبين الفيلسوف العربي المسلم) الذي كان يكتب حوالي العام 830 ب.م, القرآن بطريقة مشابهة. إن نتيجة كل هذا (العملية التي ظهر بواسطتها القرآن) متروكة لك يا من قرأ النصوص القرآنية المقدسة ورأى كيف أن التواريخ تتقافز في ما بينها في كتابك وتتمازج وهذا دليل على أن أياد عديدة قد عملت عليه, وتسببت في حصول تعارضات, من خلال إضافتهم ما كانوا يرغبون في إضافته واقتطاع ما كانوا لا يرغبون فيه. أهكذا حال وحي نزل من السماء؟

الشك بالمصادر

إن الروايات التقليدية عن حياة محمد وقصة مبدأ الإسلام ونشوءه, ومن ضمنها تأليف القرآن وجمعه, معتمدة كليا على مصادر إسلامية, وبالأخص على سير إسلامية عن محمد, وعلى الحديث, بما معناه التقليد الإسلامي

توفي النبي محمد في عام 632 ب.م. إن أقدم مؤلف بحوزتنا يذكر قصة حياته قد كُتب من قبل ابن إسحاق في عام 750 ق.م. بمعنى آخر, بعد مائة وعشرين عاما من وفاة محمد. إن مسألة الأصالة تصبح أكثر دقة, لأن الصيغة الأصلية لعمل ابن إسحاق قد فُقد وهو متوفر جزئيا في إعادة كتابة على يد ابن هشام المتوفي في عام 834 ب.م أي بعد مائتي عام من وفاة النبي.

إن الحديث هو مجموعة من الأقوال والأفعال المنسوبة إلى النبي وهي تسند عبر سلسلة من الشاهدين الثقات (تسمى أي سلسلة معينة من الناقلين إسنادا). تتضمن هذه الأحاديث قصة "إنزال" القرآن على أجزاء, وأقوال صحابة النبي. يقال أن هنالك ستة مجموعات من السنن المقبولة عند المسلمين السنة, وهي بالاسم مجموعات البخاري ومسلم وابن ماجة وابن داود والترمذي والنسائي. ثانية نقول أن من المهم ملاحظة أن جميع هذه المصادر متأخرة بالفعل جدا. لقد توفي البخاري بعد وفاة النبي ب238 عاما, بينما توفي النسائي بعد 280 عاما من ذلك!

إن التقليد التاريخي وذلك المتعلق بسيرة محمد والأعوام الأولى للإسلام قد تم إخضاعه لفحص عميق في نهاية القرن التاسع عشر. إلى ذلك الحين كان المختصّون من ذوي العناية مدركين للعناصر الأسطورية والعقائدية المُتَضَمّنة في هذه التقاليد, وأن هنالك تقاليد نشأت بدوافع حزبية وابتغت " أن تعطي مظهر أساسٍ تاريخي لمصالح معينة لأفراد محددين أو لعوائل, إلا أنه كان من المعتقد أن بعد شيء من الغربلة لا يزال يبقى ما يكفي ليمكننا من تكوين خطوط عامة لحياة محمد تكون أكثر وضوحا من تلك التي لأي مؤسس آخر لديانة عالمية." لقد حطّم هذا التهيؤ كل من وِلهاوسن Wellhausen, وكايتاني Caetani, ولامنز Lammens الذين"استدعوا للمسائلة المعلومة تلو المعلومة من بين ما يقدمه التقليد الإسلامي من معلومات."

قسم ولهاوسن التقاليد التاريخية القديمة الموجودة في مؤلفات القرنين التاسع والعاشر إلى قسمين: الأول, تقليد بدائي أصيل, قد تم تدوينه بلا شك في نهاية القرن الثامن, والثاني, صيغة مناظرة تم تزييفها عمدا لإبطال التقليد الأول. كانت الصيغة الثانية مليئة بالتخيلات المتحيزة, و من الممكن إيجادها في عمل مؤرخين من أمثال سيف بن عُمر (أنظر أعلاه), يشك الأمير كايتاني والأب لامنز حتى في المعلومات التي تم قبولها هنا باعتبارها "موضوعية." كان كاتبوا سيرة محمد بعيدين كل البعد عن عصره فلا نتوقع أن تكون بحوزتهم معلومة صحيحة أو انطباعات صحيحة, إن المعلومات مستندة على تخيلات متحيزة, بالإضافة إلى ذلك, لم يكن هدفهم معرفة هذه الأمور كما حدثت بالفعل, بل لعكس صورة مثالية للماضي, كما من الواجب أن تكون. "على قماش الآيات القرآنية الخالي من الزينة, طرّز الكتاب التقاليد بشجاعة فائقة مشاهد تتلائم ورغبات ومثاليات جماعاتهم الخاصة أو, إن رغبنا في استعمال تعبير لامنز, ملئوا الفراغات بعملية من القولبة مما يسمح للمتفحّص الناقد بأن يتعرّف على مصدر كل صورة."

يكلمات لويس, "لقد وصل لامنز بالأمر لحد رفضه السيرة بأسرها باعتبارها لا أكثر من تفاسير ضنيّة ومتحيّزة لفقرات قليلة في القرآن تحتوي شيئا من السيرة, تم ابتكارها وإحكامها من قبل الأجيال المؤمنة اللاحقة.

لقد اضطر حتى المختصون الرافضون لتشكيك كايتاني ولامنز للاعتراف ب"أننا نعرف القليل جدا عن حياة محمد قبل ظهوره كرسول لله, أما إن قارنا ذلك بحجم السيرة الأسطورية التي يحفظها لنا المؤمنون فإننا لا نعرف شيئا."

إن آراء كايتاني الإيجابي ولامنز اليسوعي لم تنسَ إطلاقا, بل قد تسلّمتها مجموعة من المختصين السوڨيت بالإسلاميات فتقدموا بها لتكوين استنتاجات قصوى ولكن منطقية, بدورهم تناول آراءَ المختصين السوڨيت في عام 1970 كلٌ من كوك Cook وكرون Crone وتلاميذ آخرون لوانزبرو Wansbrough.


ما قام به كل من كايتاني ولامنز من أجل السيرة التاريخية, قام بمثله كل من إگناس Ignas وگولدزِهر Goldziher من أجل دراسة الحديث. كان لگولدزِهر تأثير هائل في مجال الدراسات الإسلامية, وليس من المبالغة القول بأنه, برفقة هِرگرنج Huegronje ونولدِكه Noldeke , أحد الآباء المؤسسين لدراسة الإسلام الحديثة. إن كل ما قد كتبه بين عامي 1870 و1920 لايزال يُدرّس بمواضبة في الجامعات في أرجاء العالم. في بحثه الكلاسيكي "حول تطور الحديث," بين گولدزيهر "أن عددا كبيرا من الأحاديث القبولة حتى في أكثر المجموعات الإسلامية تدقيقا هي أحاديث مزورة صيغت في ما بين نهايتي القرنين الثامن والتاسع. وأنه نتيجة لذلك, فإن الإسانيد الدقيقة التي تدعمها خيالية محضة.

بعد مواجهتهم بطروحات گولدزيهر الموثقة بشكل لا يقبل النقض, بدا الفزع يستولي على المؤرخين وبدأوا يستنبطون طرقا لإبعاد التشكيك عن طريقهم, كأن يقترحوا, على سبيل المثال, مميزات تفصل ما بين السنن الشرعية والتقاليد التاريخية. إلا أنه, وكما يقول همفري Humprey, فإن الحديث والتقاليد التاريخية متشابهة جدا, بالإضافة إلى ذلك, فإن العديد من علماء القرنين الثامن والتاسع الميلاديين قد اشتغلوا على كلا النوعين من النصوص. "خصم الكلام أنه إن كان هنالك شك في إسناد الحديث, كذلك يجب أن يُشك في الإسناد المرتبط بالأخبار التاريخية."

كما يكتب گولدزيهر نفسه: "ولدزيهر نفسه: "إن التعرف عن قرب على الحجم الهائل للأحاديث أمر يثير الارتياب," ويعتبر أن القسم الأعظم من الأحاديث هي "نتاج التطور الديني والتاريخي والاجتماعي للإسلام خلال القرنين الأولين." إن الحديث لا ينفع أن يكون قاعدة لاستخراج تاريخ بطريقة علمية, ولا يفيد إلا يكون "انعكاسا لميول" المجتمع الإسلامي المبكر.

أحتاج هنا لإقحام استطراد تاريخي, إن كنا نشاء أن يكون لنا فِهم صحيح لما يطرحه گولدزيمر. بعد وفاة النبي, خلفه أربعة من أصحابه كقادة للمجتمع الإسلامي, كان آخر الأربعة هو علي ابن عم النبي وصهره. لم يتمكن علي من فرض سلطته على الشام التي كان معاوية واليا عليها والذي تبنى شعار "الثأر لعثمان" في حربه ضد علي (كان معاوية وعثمان من الأقارب وينتسبان إلى بني أمية المكيين). تلاقت القوتان في معركة غير حاسمة عند صفّين. بعد مقتل علي في عام 661, أصبح معاوية أول خليفة بين خلفاء السلالة المعروفة بالأمويين, والتي استمرت حتى عام 750 ب.م. أطيح بالأمويين على يد العباسيين الذين دام حكمهم في العراق, وفي بغداد, حتى القرن الثالث عشر.

خلال السنوات الأولى لحكم الأسرة الأموية, كان العديد من المسلمين جاهلين تماما بما يتعلّق بالطقوس والعقائد الدينية. كان لدى الحكام أنفسهم حماس ديني قليل, وكانوا يكرهون الأتقياء والمتقشّفين عادة. كانت النتيجة هي نهوض مجموعة من الرجال الأتقياء الذين قاموا بلا حياء باستحداث سنن لأجل خير المجتمع, ومن ثم يقومون بنسبها إلى مرجعية النبي. لقد عارضوا الأمويين الفسقة إلا أنهم لم يجرؤوا على إظهار ذلك علنا, لذلك قاموا باستنباط تقاليد أخرى مكرسة للثناء على آل النبي, وبذلك حالفوا بشكل غير مباشر شيعة علي. بصياغة گولدزيمر : "لم تكن السلطة نفسها خاملة, فلو أنها ترغب في أن يُعترف برأي ما فيتم إسكات معارضة دائرة الأتقياء, فإن عليها هي أيضا أن تعرف كيفية اكتشاف حديث يلائم غرضها. لقد اضطروا إلى فِعل ما فعله خصومهم, فيخترعون بدورهم أحاديث, وهذا بالفعل ما قد فعلوه." ويستمر گولدزيهر قائلا: "إن التأثير الحكومي على اختراع ونشر وكتم السنن قد بدأ مبكرا. يمثل هذا الإيعاز إلى المغيرة الوالي المطيع من قبل معاوية روح الأمويين: "لا تمل من إهانة على وشتمه والدعاء بالرحمة لعثمان, وسب أصحاب علي, وإبعادهم والكف عن سماعهم (أي إلى ما يذكرونه وينشرونه من الأحاديث), مادحا بالمقابل آل عثمان مقربا إياهم إليك ومصغيا لهم." إن هذا تشجيع رسمي لتبني ظهور وانتشار الأحاديث الموجهة ضد علي ولكبح وكبت الأحاديث المفضلة لعلي. لم يتردد الأمويون وشيعتهم في نشر أكاذيب متحيزة بصيغة دينية مقدسة, ولم يكن يهمهم إلا إيجاد مرجعيات تقية مستعدة للتغطية على مثل هذه الأكاذيب بمرجعيتها الغير المشكوك بها. لم يكن هنالك شح في مثل هذه المرجعيات. كانت الأحاديث معرضة للاختلاق حتى من أجل أتفه التفاصيل الطقسية. لقد تضمن التحيز حتى كبت مقولات مادحة للسلالة المنافسة أو الحزب المنافس. تحت حكم العباسيين, تضاعف وضع الأحاديث كثيرا, بغرض واضح هو إثبات أنهم أحق بالسلطة من العلويين. على سبيل المثال جُعل الرسول يقول بأن أبي طال أبا علي يجلس في أعماق الجحيم: "لعل شفاعتي تنفعه يوم القيامة حتى ينتقل إلى بركة من النار لا تصل إلا إلى كاحليه ولكنها لا تكفي للوصول إلى دماغه." بالطبع قوبل هذا من قبل فقهاء العلويين من خلال اختلاق تقاليد عديدة تختص بالثناء على أبي طالب, كلها أقول للنبي. يوضح گولدزيهر أنه في ما بين الأحزاب المعارضة :" كان الاستخدام المؤذي لتقاليد متحيزة في الحقيقة أكثر شيوعا من ذلك الذي للحزب الحاكم."

في النهاية حصل القصاصون على مكسب لا بأس به من خلال استعراض الأحاديث, التي احتضنتها الجماهير الساذجة بتلهف. لم يرعو القصاصون عن فعل شيء لجذب الجموع لهم. "لقد هوى تداول الأحاديث إلى مستوى مهنة يومية. لقد زادت الرحلات (بحثا عن الأحاديث) في جشع من نجح في الادعاء بأنهم مصدر للأحاديث, ومع الزيادة في الطلب نشأت رغبة أكبر فأكبر في طلب الدفع مقال الأحاديث التي يتم توفيرها

كان العديد من المسلمين مدركين بالطبع أن الأحاديث الموضوعة تكثر, ولكن, حتى المجموعات الستة الأصيلة للأحاديث التي ألفها البخاري وآخرون لم تكن متشددة كما كان يؤمل. كان لدى الستة صفات مختلفة يجب أن يمتاز بها الحديث لتضمينه باعتباره صحيحا أو لرفضه, كان البعض متحرر نوعا ما في اختياراته, وكان البعض اعتباطيين نوعا ما. بالإضافة إلى ذلك كان هنالك مشكلة أصالة النصوص التي كتبها هؤلاء الجامعين. على سبيل المثال, كان هنالك في مرحلة ما اثنا عشرة نصا مختلفا لكتاب البخاري, بجانب هذه الصيغ المتباينة كان هنالك تحريفات متعمدة. كما يحذرنا گولدزيهر: "من الخطأ الاعتقاد بأن السلطة مرجعية للاثنين (مجموعتا البخاري ومسلم) هي ناتجة عن الصحة التي لا نقاش فيها لمحتوياتهما وأنها نتيجة لتحريات علمية." حتى أن ناقدا من القرن العاشر قد أشار إلى ضعف مائتي حديث يتضمنهما عملا مسلم والبخاري

انتقال إلى الجزء الثاني من الموضوع

1 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

ملاحظة: المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها